التقاء دجلة والفرات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

على خطى الامام الحسين (ع) (1)

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

على خطى الامام الحسين (ع) (1) Empty على خطى الامام الحسين (ع) (1)

مُساهمة من طرف ابن النهرين الثلاثاء 30 نوفمبر - 22:15

على خطى الامام الحسين (ع)

تقديم


[justify] مثلت كربلاء نهجاً في مقاومة الطغيان ، وشقت دربا يسير على هدية الساعدون الى الحق ، ومثلت الخطى التى سارها الإمام الحسين ( عليه السلام ) هجرة ثانية تعيد سيرة هجرة جده المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ، ولم تنقطع محاولات الادباء والباحثين عن استلهام هذا السعي منذ حدوثه في العام 61 هـ ، وحتى ايامنا هذه ، ويمثل هذا الكتاب احدى هذه المحاولات .
يمهد المؤلف بالحديث عن رويا للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تكشف ان ملوك السوء سيرتقون منبره من بعده ، فيحذر منهم ويدعو الى نصرة سبطه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، ويعين جماعة المنافقين .
ثم يبحث بشيء من التفصيل ، في تحقق هذه الرويا ، فيتحدث في فصل اول ، عن ابناء الشجرة الملعونة ، وهم رواد الفتنة في الإسلام ، ويتبين اسس خطابهم ، بوصفهم الخارجين على قيادة الأمة الشرعية ، ويقارن هذا الخطاب بخطاب القيادة الشرعية ، ويحدد مفهوم الفتنة وملابسات خديعة التحكيم وأسباب وقوع فئه من المسلمين فيها ، وفي فصل ثان عن قيام ملك (ارباب السوء) ويتبين اسس شريعتة ، ويتتبع المحاولات التي قاومت هذا النهج المزيف ، وعملت على احياء قيم الإسلام ، وفي فصل ثالث عن الثورة الحسينية بوصفها نهوضاً بمهمة حفظ الدين ، فيبين نهجها ، ويتتبع مراحلها :

على خطى الحسين عليه السلام _ 2 _
التمهيد ، التصميم والتخطيط ، اكتمال عناصر التحرك ، الهجرة الثانية : من مكة الى الكوفة ، في الطريق الى كربلاء ، ويناقش في هذا السياق آراء ابن كثير الذي حاول اخفاء الحقيقة وناقض نفسه وفي فصل رابع ( كربلاء : النهوض بالأمة المنكوبة ) ، ويكشف ان الموقف الحسيني معيار وقدوة ، ويتجلى هذا الموقف في مواجهة امام الحق لأمام الباطل ، حيث تتبين الحقيقه وتقام الحجة ، وتستنهض الأمة .
يمثل هذا الكتاب سعياً لمعرفة الحلقة الجوهرية في مسلسل الصراع بين الحق والباطل ، وقد اتيح لهذا السعي ان يوفق في تحقيق هدفه ، فعسى ان يفيد من جهده الساعون الى هذه المعرفه .
رويا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ملوك السوء يرتقون منبره .

1-التحذير من ارباب السوء
اخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال : ( رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بني فلان ينزون على منبره نزو القردة ، فساءه ذلك ، فما استجمع ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ضاحكاً حتى مات ، قال : وأنزل اللّه ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ) ، اخرج ابن ابي حاتم عن ابن عمران ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : ( رأيت ولد الحكم بن ابي العاص على المنابر كأنهم القردة ، وأنزل اللّه في ذلك : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) ، يعني الحكم وولدة ) .


على خطى الحسين عليه السلام _ 3 _
وفيه أخرج ابن ابي حاتم عن يعلى بن مرة قال : ( قال رسول اللّه : أريت بني أمية على منابر الأرض وسيتملكونهم ، فيجدونهم ارباب سوء ، وأهتم رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لذلك : فأنزل اللّه : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ) وفيه اخرج ابن ابي حاتم وأبن مردوية والبيهقي ، في الدلائل ، وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال : ( رأى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بني أمية على المنابر ، فساءه ذلك فأوحى الله : إنما هى دنيا اعطوها فقرت عينه ، وهي قوله : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ) ، والآية الكريمة كاملة هي : ( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) .

2 - الدعوة الى نصرة سبطة الحسين
روي الحنفي القندوزي ، في ينابيع الموده ، في المشكاة ، عن أم الفضل بنت الحارث ، أمرأة العباس ( رضي اللّه عنهما ) ( انها دخلت على رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقالت : يا رسول اللّه ، أني رأيت حلماً منكراً الليله ، قال : ما هو ؟ قالت : رأيت كان قطعة من جسدك المبارك قطعت ووضعت في حجري ، فقال ( عليه السلام ) : رأيت خيراً ، تلد فاطمة ، ان شاء اللّه تعالى ، غلاماً يكون في حجرك ، قالت : فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري فارضعته بلبن قثم ، فدخلت يوما على النبي ( عليه السلام ) ، فوضعته في حجره ، ثم حانت مني التفاته ، فأذا عينا رسول اللّه ( عليه السلام ) ، تهريقان الدموع ، فقلت : يا رسول اللّه ، بأبي وأمي ، مالك ؟ ، قال : اتأني جبرائيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ، فقلت : هذا ؟ ، قال : نعم ، واتاني بتربة حمراء رواة البيهقي .


على خطى الحسين عليه السلام _ 4 _
وفي الاصابة ( انس بن الحارث ) قال البخاري في تاريخه :
( سمعت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يقول : ان ابني هذا يعني الحسين يقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد ذلك منكم فلينصره ، قال : فخرج انس بن الحارث الى كربلاء ، فقتل بها مع الحسين ، وفي الصواعق المحرقة ، لأبن حجر الهيثمي ، اخرج ابن سعد والطبراني عن عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( أخبرني جبرائيل ان ابني الحسين يقتل ، بعدي ، بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعة ، اخرج البغوي ، في معجمه من حديث انس أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : ( استأذن ملك القطر ربه ان يزورني فأذن له وكان فى يوم أم سلمة ، فقال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل أحد ، فبينا على الباب اذ دخل الحسين ، فأقتحم فوثب على رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فجعل رسول اللّه يلثمه ويقبله ، فقال له الملك : اتحبه ؟ قال : نعم ، قال : ان امتك ستقتله وان شئت أريك المكان الذي يقتل به ، فأراه ، فجاء بسهله او تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها ، قال ثابت : كنا نقول انها كربلاء .
وفي رواية الملا ، وأبن احمد في زيادة المسند ، قالت : ثم ناولني كفاً من تراب أحمر ، وقال : ان هذا من تربة الارض التي يقتل بها ، فمتى صار دماً فأعلمني أنه قد قتل ، قالت أم سلمة : فوضعته في قارورة عندي ، وكنت أقول : أن يوماً يتحول فيه دماً ليوم عظيم ، وفي رواية عنها ، فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دماً ) .


على خطى الحسين عليه السلام _ 5 _
3 - محاولة أغتيال فاشلة تعيين جماعة المنافقين
أورد أبن كثير ، في تفسيره ، نقلاً عن البيهقي فى (دلائل النبوة ) ، عن حذيفة بن اليمان قال : ( كنت آخذاً بخطام ناقة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أقود به وعمار يسوق الناقة او أنا أسوقه وعمار يقوده ، حتى اذا كنا بالعقبه ، فإذا أنا بأثني عشر راكباً قد اعترضوه فيها ، قال : فأنبهت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بهم ، وصرخ بهم فولوا مدبرين ، فقال لنا رسول اللّه : هل عرفتم القوم ؟ ، قلنا : لا يا رسول اللّه ، قد كانوا ملثمين ، ولكنا عرفنا الركاب ، قال : هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة ، وهل تدرون ما أرادوا ؟ ، قلنا : لا ، قال : أرادوا أن يزاحموا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيلقوه منها ، قلنا : يا رسول اللّه ، افلا نبعث الى عشائرهم حتى يبعث اليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ ، قال : لا ، أكره ان تتحدث العرب بينها أن محمداً قاتل بقوم حتى اذا أظهره اللّه بهم ، أقبل عليهم يقتلهم ، ثم قال :
اللهم ارمهم بالدبيلة ، قلنا يا رسول اللّه وما الدبيلة ؟ قال : شهاب من نار يقع على نياط قلب احدهم فيهك ، وروي الإمام أحمد الرواية نفسها ، وهي وأرده فى تفسير قوله تعالى ، فى الآية من سورة التوبه : ( يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ) كما روي أبن كثير ، أيضاً ، فى الموضع نفسه ، نقلاً عن صحيح مسلم ، عن عمار بن ياسر ، عن حذيفة ، عن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، انه قال : ( في اصحابي اثنا عشر منافقاً ، لا يدخلون الجنه ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط . .


على خطى الحسين عليه السلام _ 6 _
ولهذا كان حذيفة يقال له صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ، أي تعيين جماعة المنافقين ) ، حدثت هذه الحادثه الخطيرة ، في تاريخ الإسلام ، في اثناء غزوة تبوك في رجب ، من العام التاسع للهجرة ، ولم تذكر في كتب السيرة او غيرها ، تحت عناوين رئيسية ، وإنما تحت عناوين فرعية ، على الرغم من ثبوتها بنص القرآن ووقوعها ضمن أحداث غزوة تبوك ، حيث اشراب النفاق واطلع رأسه من منبته ، وورودها في سوره التوبة التي تسمى ، ايضاً ، ( الفاضحة ) ، لأنها فضحت المنافقين وعرتهم ، اما خطورتها فتكمن في ان الذين رأوا في شخص الرسول الاكرم عائقاً إمام تحقيق أهدافهم لا بد أنهم وضعوا هدفاً كبيراً تهون من أجل تحقيقه كل الجرائم ، حتى ولو كانت قتل الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، او الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، او استباحة المدينة ، او هدم الكعبة ، كما حدث بعد ذلك بالفعل .


الفصل الأول
ابناء الشجرة الملعونة



رواد الفتنة في الإسلام

أ ـ شهدت (صفين) ، وهي مكان يقع بالقرب من شاطىء الفرات بين الشام والعراق ، ( واقعة صفين ) ، التى دارت بين جيش الإمام علي الذي يمثل القيادة الشرعية للأمة الاسلامية وبين جيش القاسطين الظالمين ، بقيادة معاوية بن آكله الأكباد ووزيره الأول عمرو بن العاص .
توشك النبوءه ان تتحقق ، يوشك من حذر رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، منهم أن يتسنموا منبره ، الصراع محتدم بين قيم الإسلام المحمدي الأصيل ، كما يمثله إمام الحق علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) والفئة الباغية بقيادة ابن آكله الأكباد ووزيره الأول ابن النابغة .
وسنعرض نماذج متقابلة لخطاب كل فريق من الفريقين ولسلوكه ، ثم نرى النهاية الفاجعة لهذا الصراع ، أو نهاية البداية لفجر الإسلام المضى‏ء ، علي يد هذه العصابة ، وهو عين ما حاولوه يوم عقبة تبوك ، فلم يحالفهم التوفيق .

1 - خطاب رواد الفتنة ، الخارجين على القيادة الشرعية :
رفع معاوية بن ابي سفيان شعار الثار لعثمان بن عفان ، فهل كان أبن آكلة الأكباد ووزيره الأول صادقين في دعواهما ؟ فلنقرأ سوياً في صفحات التاريخ .
روي أبن جرير الطبري ، في تاريخه : ( لما قتل عثمان قدم النعمان بن بشير على أهل الشام بقميص عثمان ووضع معاوية القميص على المنبر ، وكتب بالخبر الى الأجناد ، وثاب إليه الناس ، وبكوا سنة وهو على المنبر والاصابع معلقة فيه ( اصابع نائلة زوجة عثمان) وآلي الرجال من أهل الشام الا ياتوا النساء ولا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتلة عثمان ، ومن عرض دونهم بشيء او تفني أرواحهم ، فمكثوا حول القميص سنة ، والقميص يوضع كل يوم على المنبر ويجلله احياناً فيلبسه ، وعلق في أردانه أصابع نائلة ) .


على خطى الحسين عليه السلام _ 7 _
( ثم مضى معاوية ينشر فى الناس ان علياً ( عليه السلام ) قتل عثمان ، كان هذا هو الشعار المعلن ، فهل كان هذا الشعار يمثل الحقيقه ؟ ، فلنقرأ أولاً في تاريخ عمرو بن العاص .
الشعار المعلن وحقيقتة : الاستحواذ على السلطان وروى الطبري ، أيضاً : ( لما بلغ عمراً قتل عثمان ، قال : أنا أبو عبد اللّه قتلته ( يعني عثمان‏ ) وأنا بوادي السباع ، من يلي هذا الأمر من بعده ؟ ان يله طلحه فهو فتى العرب سيبا ، وان يله ابن ابي طالب فلا اراه الا سيستنطق الحق وهو أكره من يليه إلى ، قال : فبلغه ان علياً قد بويع له ، فأشتد عليه وتربص أياماً ينظر ما يصنع الناس ، فبلغه مسير طلحة والزبير وعائشة ، وقال أستأني وأنظر ما يصنعون ، فأتاه الخبر ان طلحه والزبير قد قتلا ، فأرتج عليه أمره فقال له قائل : أن معاوية بالشام لا يريد ان يبايع لعلي ، فلو قاربت معاوية ، فكان معاوية أحب إليه من علي بن ابي طالب ، وقيل له : أن معاوية يعظم شان قتل عثمان بن عفان ويحرض على الطلب بدمه ، فقال عمرو : ادعوا لى محمداً وعبد اللّه فدعيا له ، فقال : قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان وبيعة الناس لعلي وما يرصد معاوية من محالفة علي ، وقال : ما تريان ؟ أما علي فلا خير عنده وهو رجل يدل بسابقته ، وهو غير مشركي فى شيء من أمره ، فقال عبد اللّه بن عمرو : . . . أرى ان تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على امام فتبايعه ، وقال محمد بن عمرو : انت ناب من انياب العرب ، فلا أرى ان يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت ولا ذكر ، قال عمرو : أما انت ، يا عبد اللّه ، ؟ فأمرتني بالذى هو خير لي في آخرتي واسلم في ديني ، وأما أنت ، يا محمد ، فأمرتني بالذي هو أنبه لي في دنياي وشر لى فى آخرتي ، ثم خرج عمرو بن العاص ، ومعه أبناه ، حتى قدم على معاوية ، فوجد أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان ، فقال عمرو بن العاص :


على خطى الحسين عليه السلام _ 8 _
أنتم على الحق ، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم ، معاوية ولا يلتفت الى قول عمرو ، فقال ابنا عمرو لعمرو : الا ترى الى معاوية لا يلتفت الى قولك ، انصرف الى غيره ، فدخل عمرو على معاوية فقال : واللّه لعجب لك اني ارفدك بما ارفدك وانت معرض عني ، أما واللّه ان قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة ، أن في النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا ، فصالحه معاوية وعطف عليه ، هذا هو حال الوزير الأول ، فهو نفسه ممن البوا على عثمان وهو القائل : ( أنا ابو عبد اللّه ، قتلته وأنا بوادي السباع ) ، وهو المقر بأن انضمامه لأبن آكله الأكباد إنما هو من أجل الدنيا) .
أما معاوية ، صاحب القميص الذي صار مضرباً للمثل على الادعاءات الكاذبة ، فنورد فقرة من خطبته التى استهل بها عهده المشووم ، روى ابو الفرج الاصفهاني فى مقاتل الطالبيين :
( لما انتهى الأمر لمعاوية ، وسار حتى نزل النخيلة وجمع الناس بها فخطبهم قبل ان يدخل الكوفة خطبة طويله) ، وأورد بعض مقاطعها ومنها :
( ما اختلفت أمة بعد نبيها الا ظهر أهل باطلها على أهل حقها . . فندم فقال : إلا هذه الأمة فأنها وأنها . . . ) ( الا ان كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين الافي به ) .


على خطى الحسين عليه السلام _ 9 _
( أني واللّه ما قاتلتكم لتصلوا ، ولا لتصوموا ، ولا لتحجوا ، ولا لتزكوا ، أنكم لتفعلون ذلك ، وإنما قاتلتكم لأتامر عليكم ، وقد أعطاني اللّه ذلك وانتم كارهون ) ، هل كان ابن آكله الاكباد ووزيره الأول عمرو بن العاص يطالبان بدم عثمان او ان السلطة كانت هدفاً لهما ؟ وهل يبقى شك ، بعد قراءتنا خطاب كل منهما في طبيعة الادعاءات المرفوعة من قبل الفئه الباغية والصورة الحقيقية لحركة الردة التى ما كان لها ان تحقق هدفها لولا تخاذل بعض المسلمين ووهن بعضهم الآخر .
كانت هذه هي الاهداف الحقيقية : ( الاستحواذ على السلطة ) و (اذلال المؤمنين) ، وهي تختلف عن الاهداف الدعائية : (الثار من قتله عثمان) .
ب - وسائل التأمر على الناس اما عن الوسائل التي اتبعها ابن آكلة الاكباد من اجل تحقيق غاياته الشيطانية ( وهي اقامة حكومة من بدوا في رويا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( قردة ) ، في مواجهة حكومة العدل الالهية ) فهي في المستوى نفسه ، ومن نماذجها نذكر :
أولاً : الرشوة والاغراء بالمناصب واليك النموذج الآتي : حاول معاوية رشوة قيس بن سعد بن عبادة ، وإلى الإمام علي مصر ، فكتب له : ( . . . فإن استطعت ، يا قيس ، ان تكون ممن يطلب بدم عثمان فأفعل ، تابعنا على أمرنا ولك سلطان العراقين ، إذا ظهرت ما بقيت ، ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطاني ، وسألني غير هذا مما تحب فأنك لا تسألني شيئا إلا اوتيته ) .


على خطى الحسين عليه السلام _ 10 _
أما رد قيس بن سعد بن عبادة ، ( رضوان اللّه عليه ) ، على ابن آكلة الأكباد فكان رداً مخرسا فقد كتب إليه : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبي سفيان ، أما بعد ، فإن العجب من أغترارك بي وطمعك في ، واستسقاطك رأيي ، اتسومني الخروج من طاعة أولي الناس بالأمراة وأقولهم للحق وأهداهم سبيلاً وأقربهم من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وتأمرني بالدخول في طاعتك ، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر ، وأقولهم للزور وأضلهم سبيلاً ، وأبعدهم من اللّه ( عز وجل ) ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وسيلة ، ولد ضالين مضلين ، طاغوت من طواغيت أبليس ، واما قولك اني مالى‏ء عليك مصر خيلاً ورجلاً ، فواللّه ان لم اشغلك بنفسك حتى تكون نفسك أهم اليك ، أنك لذو جد ، والسلام ) .
ثانياً : الأغتيال السياسي جاء في تاريخ الطبري : ( فبعث على الأشتر أميراً إلى مصر حتى إذا صار بالقلزم ، شرب شربة عسل كان فيها حتفة ، فبلغ حديثهم معاوية وعمراً ، فقال عمرو : ان للّه جنوداً من عسل ) .
ثالثاً : الاختلاق والخداع جاء في تاريخ الطبري : ( ولما ايس معاوية من قيس ان يتابعه على أمره ، شق عليه ذلك لما يعرف من حزمه وبأسه ، وأظهر للناس قبلة ان قيس بن سعد قد تابعهم فادعوا اللّه وقرا عليهم كتابة الذي لأن له فيه وقاربة ، قال : وأختلق معاوية كتاباً من قيس ، فقراه على اهل الشام ) .
رابعاًً : الأغارة على المدنيين وقتل النساء والاطفال ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه :


على خطى الحسين عليه السلام _ 11 _
1 - ( وجه معاوية ، في هذا العام ، سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل وأمره أن يأتي ( هيت ) ، فيقطعها ، وأن يغير عليها ثم يمضي حتى يأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها ) .
2 - ( وجه معاوية عبد اللّه بن مسعدة الفزاري في الف وسبعمائه رجل الى تيماء ، وأمره ان يصدق ( يأخذ صدقة المال ) من مر به من أهل البوادي ، وان يقتل من امتنع من اعطائه صدقة ماله .
ثم يأتي مكة والمدينة والحجاز ويفعل ذلك ) .
3 - وجه معاوية الضحاك بن قيس ، وأمره ان يمر بأسفل واقصة ، وان يغير على كل من مر به ممن هو في طاعة على من الأعراب ، ووجه معه ثلاثه آلاف رجل فسار ، فأخذ أموال الناس وقتل من لقي من الأعراب ، ومر بالثعلبيه فأغار على مسالح علي ، وأخذ أمتعتهم ومضي حتى انتهى الى القطقطانة فأتي عمرو بن عميس بن مسعود ، وكان في خيل لعلي وإمامه اهله وهو يريد الحج ، فأغار على من كان معه وحبسه عن المسير ، فلما بلغ ذلك علياً سرح حجر بن عدي الكندي في أربعة آلاف واعطاهم خمسين ، فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلاً ، وقتل من أصحابه رجلان وحال بينهم الليل فهرب الضحاك وأصحابه ورجع حجر ومن معه ) .
4 - في عام 40 هـ ، أرسل معاوية بن أبي سفيان بسر بن أبي أرطأه في ثلاثه آلاف من المقاتلة الى الحجاز حتى قدموا المدينة ، وعامل على المدينة يومئذ أبو أيوب الأنصاري ، ففر منهم أبو أيوب ، وأتي بسر المدينة فصعد المنبر وقال : يا أهل المدينة ، واللّه لولا ما عهد إلى معاوية ما تركت بها محتلما الا قتلته ، ثم مضى بسر الى اليمن وكان عليها عبيد اللّه بن عباس عاملاً لعلي ، فلما بلغه مسيره فر الى الكوفة حتى اتي علياً ،


على خطى الحسين عليه السلام _ 12 _
واستخلف عبد اللّه بن عبد المدان الحارثي على اليمن ، فأتاه بسر فقتله وقتل أبنه ، ولقى بسر ثقل عبيد اللّه بن عباس وفيه أبنان له صغيران فذبحهما ، وقد قال بعض الناس أنه وجد أبني عبيد اللّه بن عباس عند رجل من بني كنانة من أهل البادية ، فلما اراد قتلهما قال الكناني : علام تقتل هذين ولا ذنب لهما ؟ فإن كنت قاتلهما فأقتلني ، قال : أفعل ، فبدا بالكناني فقتله ثم قتلهما ، وقتل في مسيره ذلك جماعة كثيرة من شيعة علي باليمن .
ولما أرسل علي جارية بن قداحة فى طلبة هرب ) ، تلك هي لمحات من أهداف الدولة الأموية وملامحها وأساليبها في الوصول إلى هذه الأهداف ، لا فارق بين معاوية وصدام حسين وهتلر ، الغاية ، عند كل هؤلاء ، تبرر الوسيلة ، بل ونزعم ان ابن آكله الاكباد ، على قرب عهده بالنبوة ، أشد وزراً من صدام حسين الذي قتل النساء والاطفال واستخدم السلاح الكيماوي في قتل الابرياء ، فصدام حسين لم ير رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا سمع منه ولا أدعي له بعض المؤرخين انه كان كاتباً للوحي ، الى آخر هذه الادعاءات التي يمزج فيها الحق بالباطل .

2 - خطاب قيادة الأمة الشرعية :
( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ، ويكون الدين للّه ) .
على الجانب الآخر كان معسكر الحق ، معسكر القياده الشرعيه للأمة الإسلاميه ، قيادة أهل البيت ، ورمزها يومئذ أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) ، يجاهد للحفاظ على الإسلام نقياً صافياً ، وكان هذا هو الهدف الحقيقي الذي تهون من اجله كل التضحيات ، كان الإمام على ( ع) ومن حوله كوكبه المؤمنين الخلص من أصحاب النبي محمد (ص) .


على خطى الحسين عليه السلام _ 13 _
روى ابن ابي الحديد ، في شرح نهج البلاغة ، نقلاً عن ( كتاب صفين ) لنصر بن مزاحم : ( خطب علي ( عليه السلام ) ، في صفين ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وقال : أما بعد ، فإن الخيلاء من التجبر ، وأن النخوة من التكبر ، وان الشيطان عدو حاضر ، يعدكم الباطل ، الا أن المسلم أخو المسلم فلا تنابذوا ولا تجادلوا ، الا ان شرائع الدين واحدة ، وسبله قاصدة ، من اخذ بها لحق ، ومن فارقها محق ، ومن تركها مرق ، ليس المسلم بالخائن اذا ائتمن ، ولا بالمخلف اذا وعد ، ولا بالكذاب اذا نطق ، نحن اهل بيت الرحمة ، وقولنا الصدق ، وفعلنا الفضل ، ومنا خاتم النبيين ، وفينا قادة الإسلام ، وفينا حملة الكتاب ، الا انا ندعوكم الى اللّه ورسوله ، وإلى جهاد عدوه والشدة في أمرة ، وأبتغاء مرضاته ، وأقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، وتوفير الفى‏ء على أهله ، الا وان من أعجب العجائب ان معاوية بن أبي سفيان الأموي وعمرو بن العاص السهمي ، يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما ، ولقد علمتم أني لم أخالف رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قط ، ولم اعصه في أمر ، اقيه بنفسي في المواطن التى ينكص فيها الابطال ، وترعد فيها الفرائص ، بنجده اكرمني اللّه سبحانه بها ، وله الحمد .
ولقد قبض رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وان رأسه لفي حجري ، ولقد وليت غسله بيدي وحدي ، تقلبه الملائكة المقربون معي ، وأيم اللّه ما اختلفت أمة قط ، بعد نبيها ، الا ظهر أهل باطلها على أهل حقها الا ما شاء اللّه ) ، ولا بأس ، ايضاً ، ان ننتقل الى معسكر الأفك والباطل لنسمع ذلك الحوار العجيب الذي رواة نصر بن مزاحم ، ونقله عنه ابن ابي الحديد قال : ( طلب معاوية الى عمرو بن العاص ان يسوي صفوف أهل الشام ، فقال له عمرو : علي ان لي حكمي ان قتل اللّه ابن ابي طالب ، واستوثقت لك البلاد ، فقال : اليس حكمك في مصر ؟ قال : وهل مصر تكون عوضاً عن الجنه ، وقتل ابن ابي طالب ثمناً لعذاب النار الذي ( لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ) ،


على خطى الحسين عليه السلام _ 14 _
فقال معاوية : ان لك حكمك ، أبا عبد اللّه ، ان قتل ابن ابي طالب ، رويداً لا يسمع اهل الشام كلامك ، فقام عمرو ، فقال : معاشر أهل الشام سووا صفوفكم قص الشارب ، وأعيرونا جماجمكم ساعة ، فقد بلغ الحق مقطعة ، فلم يبق الا ظالم او مظلوم ) ، ونعود الى معسكر الحق ، لنسمع الكلمات المضيئه لأبي الهيثم بن التيهان وكان من أصحاب رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بدرياً نقيباً عقبياً يسوي صفوف أهل العراق ، ويقول : ( يا معشر أهل العراق ، أنه ليس بينكم وبين الفتح في العاجل ، والجنة في الأجل ، الا ساعة من النهار ، فأرسوا أقدامكم وسووا صفوفكم ، وأعيروا ربكم جماجمكم ، واستعينوا باللّه آلهكم ، وجاهدوا عدو اللّه وعدوكم ، واقتلوهم قتلهم اللّه وأبادهم ، وأصبروا فإن الإرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) .
أما عن مواقف عمار بن ياسر ، ( رضوان اللّه عليه ) ، في صف الإمام ، فهي في المكانة العليا ، ويمكن ان نتبينها من خلال هذه الرواية : ( عن أسماء بن حكيم الفزاري ، قال : كنا بصفين مع على ، تحت رأيه عمار بن ياسر ، ارتفاع الضحى ، وقد استظللنا برداء احمر ، اذ اقبل رجل يستقري الصف حتى انتهي الينا ، فقال : ايكم عمار بن ياسر ؟ فقال عمار : انا عمار ، قال : ابو اليقظان ؟ قال : نعم ، قال : ان لي اليك حاجة أفانطق بها سراً او علانية ؟ ، قال : أختر لنفسك أيهما شئت ، قال : لا بل علانية ، قال : فأنطق ، قال : اني خرجت من اهلي مستبصراً في الحق الذي نحن عليه ، لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم ، وأنهم على الباطل ، فلم أزل على ذلك مستبصراً ، حتى ليلتي هذه ، فإني رأيت في منامي منادياً تقدم ، فإذن وشهد ان لا اله الا اللّه وان محمداً رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونادي بالصلاة ، ونادي مناديهم مثل ذلك ، ثم اقيمت الصلاة ، فصلينا صلاة واحدة ، وتلونا كتابا واحداً ، ودعونا دعوه واحدة ، فأدركني الشك في ليلتي هذه ، فبت بليلة لا يعلمها الا اللّه ، حتى اصبحت ، فأتيت أمير المؤمنين ، فذكرت ذلك له فقال : هل لقيت عمار بن ياسر ؟ ، قلت : لا ، قال : فألقة ، فأنظر ما يقول لك عمار فأتبعه ، فجئتك لذلك ، فقال عمار : تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي ، فأنها راية عمرو بن العاص ، قاتلتها مع رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثلاث مرات وهذه الرابعة فما هي بخيرهن ولا ابرهن ،


على خطى الحسين عليه السلام _ 15 _
بل هي شرهن وأفجرهن ، أشهدت بدراً واحداً ويوم حنين ، او شهدها اب لك فيخبرك عنها ؟ ، قال : لا ، قال : فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يوم بدر ويوم احد ويوم حنين ، وان مراكز رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب ، فهل ترى هذا العسكر ومن فيه ؟ واللّه لوددت ان جميع من فيه ممن أقبل مع معاوية يريد قتالنا ، مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحداً ً ، فقطعته وذبحته ، واللّه لدماؤهم جميعاً أحل من دم عصفور ، افتري دم عصفور حراما ؟ ، قال : لا بل حلال ، قال : فإنهم حلال كذلك ، أتراني بينت لك ؟ ، قال : قد بينت لي ، قال : فأختر اي ذلك احببت .
فأنصرف الرجل ، فدعاه عمار ثم قال : اما انهم سيضربونكم بأسيافكم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا : لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا ، واللّه ما هم من الحق ما يقذي عين ذباب ، واللّه لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر ، لعلمنا انا على حق وانهم على باطل ) .
وعمار ، اذ يقف هذا الموقف ، إنما يصغي الى صوت اللّه تعالى يدعوه : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله . . ) .

3 - مفهوم الفتنة ، والعجز عن الوقوف مع الحق :
قال تعالى : ( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ) .
جرت على السنة بعض الباحثين ، قديماً وحديثاً ، مقولة ان هذه الاحداث ، كانت فتنة لا يدري المرء فيها وجه الخطا من الصواب او الحق من الباطل ، وكلمة (الفتنة) ، هنا ، بمعنى انعدام القدرة على التمييز ، وهذه الحالة ، اي أنعدام القدرة على التمييز ، قد تكون نابعة من قدرة الشخص نفسه وضميره ومعارفه ، او من الظروف الملتبسة بالأحداث كان تكون احداثاً ومعارك لا تعرف الهوية الحقيقية لابطالها ولا تاريخهم الشخصي او تاريخهم العام ، ولا يمكن معرفه تسلسل الوقائع التي قادت الى هذه اللحظة ، واعتقد ان هذا الكلام لا ينطبق بحال على هذه الكارثة الفاجعة ، او على مجموعة اليكوارث التى حلت بأمة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلا يبقى الا ان نقول ان عدم وضوح الروية إنما هو نابع من الحالة الشخصية والنفسية لبعض الاشخاص الذين عجزت نفوسهم وهممهم عن ملاحقة تيار الحق الصامد بقياده أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، فأختاروا موقفاً يكون شعاره ( ولا تفتني ) وحقيقتة كما قال سبحانه وتعالى : (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ) .


على خطى الحسين عليه السلام _ 16 _
لم تكن الكارثه الفاجعة التى لحقت بالأمة الإسلامية ، في هذه المرحلة من بدايات تاريخها ، هينة ولا سهلة فقد كانت كارثة انشقاق اولا ثم كارثة ضلال واضلال ثانياً ، وقد مارسها أئمة الفتنة والضلال من بني أمية ، أضافة الى ان حادثه الانقسام لم تحدث فى فراغ ، وإنما شقت معها جسد الأمة الوليد الذي لم يكن قد بلغ بعد مرحلة النضج ، ولا هي جرت فى هدوء وصمت ، وإنما صاحبها ضجيج وصخب أدى الى التشويش علي إمام الحق علي ( عليه السلام ) ، ما ادى الى حالة من الارتياب اصابت الجميع ، وليس أدل على هذا من ذلك الرجل التائه الذي رأى الفريقين يصلون ويقروون قرآناً واحداً ، فأصابته هزة شديدة فذهب يسأل الإمام ( عليه السلام ) ، فأحاله على عمار ، ( رضوان اللّه عليه ) ، الذي أجابه العارف الخبير الذى لا يخدع ، ولكن من أين للأمة بمثل عمار او مالك الاشتر او ابو الهيثمي التيهان ، هؤلاء الخلص من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه وعملوا بوصيته الخالدة : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) .

4 - التحكيم خديعة الذين جعلوا القرآن عضين :
وتلبس أبليس ( الذين جعلوا القرآن عضين ) قال تعالى : ( كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) .
الفتنة تبلغ مداها ، والهزيمة على وشك ان تحل بجيش الردة الأموي ، يتفتق ذهن الوزير الأول عن مكيدة يكيد بها الأمة ويشق صفها ويذهب ريحها ، وبهذا يتحقق له من داخل الصف المسلم ما فشل في تحقيقه ، طوال قرابة عشرين عاماً ، من المواجهة المسلحة مع الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قبيل ادعائه الإسلام ، ولنرجع الى تاريخ الطبري .
( لما رأى عمرو بن العاص ان امر اهل العراق قد اشتد وخاف الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك في أمر اعرضه عليك لا يزيدنا الا اجتماعاً ولا يزيدهم الا فرقه ؟ ، قال : نعم ، قال : نرفع المصاحف ثم نقول ما فيها حكم بيننا وبينكم ، فإن ابي بعضهم وجدت فيهم من يقول : بلى ينبغي ان نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم ، وأن قالوا : بلى نقبل ما فيها ، رفعنا هذا القتال عنا وهذه الحرب الى اجل وحين ، فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب اللّه ( عز وجل ) بيننا وبينكم ، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام ؟ ومن الثغور أهل العراق بعد أهل العراق ؟ فلما رأى الناس المصاحف قد رفعت قالوا : نجيب الى كتاب اللّه ( عز وجل ) وننيب اليه ، وهنا لا بد لنا من وقفه مع قضية التحكيم ، رغم كونها ليست قضية اساسية في هذا البحث ، وإنما نعرض لها في اطار بحث روية الأمويين للإسلام وحقيقة موقفهم من كتاب اللّه ، ( عز وجل ) ، وما ورد فيه من أحكام ومن ثم طبيعة دولتهم التي قامت بعد هذا من خلال هذه الروية ، ثم نعرض موقف أئمة الحق من آل محمد ، ( عليهم السلام ) ، من هذه الدولة من خلال ثورة الإمام الشهيد الحسين ( عليه السلام ) ،


على خطى الحسين عليه السلام _ 17 _
فها هو عمرو بن العاص يعلن الغرض الحقيقى لطلاب التحكيم ، فيقول : ان عرض التحاكم لكتاب اللّه ( عز وجل ) أر يراد به تفريق الصف المسلم ، او الكيان الشرعي للأمة المتجمع خلف امام الأمة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وزيادة توحد الفئة الباغية او حزب الشيطان ، فماذا بعد الحق الا الضلال ؟ ترى كيف كان موقف أبي جهل او أبي سفيان ، من أئمة الكفر والضلال ، من وحده الصف المسلم ومن القيادة الشرعية للأمة ؟ هل كان أي من هؤلاء يحلم بأن يحقق ما حققه معاوية عومرو ؟ ولكن هذه المرة يحاربون الإسلام بالسلاح نفسه الذي انتصر به على معسكر الشرك في الجولة الأولى ، ولكن هذه المرة بعد ان جعله أبن أبي سفيان وأبن العاص ( عضين ) ، أي مزقا وهزوا ، ثم نرى ونسمع ، بعد ذلك ، من يحاول ويزعم ويدعي ان الدولة الأموية كانت تمثل امتداداً للشرعية التي جاء بها رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أو يقول قائل : ان الحسين ( عليه السلام ) قتل بسيف جده رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هل كان الرسول على الباطل ؟ ! وهل جاء الرسول بقرآن يتخذه معبراً ليجلس على أجساد المسلمين وينعم بأموالهم ؟ ! أم انه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان كما قال عنه ربنا ( عز وجل ) : ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) وقوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) .
ونعود الى تاريخ الطبري لنسمع رد الإمام علي ( عليه السلام ) ، على هذا العرض المخادع ، فلو كان القوم أصحاب ديانه حقًا فلماذا لم يدخلوا في طاعة إمام الحق ؟ ! ولماذا استباحوا قتال من لا يحل قتاله من النساء والأطفال ولو كانوا مشركين ؟ ! ، فإن مصداقية لطلبهم التحاكم الى كتاب اللّه ؟ فكان رده ( عليه السلام ) : ( عباد اللّه ، أمضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم ، فإن معاوية وعمرو بن العاص وأبن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وأبن أبي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرف بهم منكم ، قد صحبتهم اطفالاً وصحبتهم رجالاً فكانوا شر أطفال وشر رجال ، ويحكم أنهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها ، وما رفعوها لكم الا خديعة ودهناً ومكيدة ، فقالوا له : ما يسعنا ان ندعي الى كتاب اللّه ( عز وجل ) فنأبي ان نقبله ، فقال لهم : فأني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب ، فأنهم قد عصوا اللّه ( عز وجل ) ونسوا عهده ونبذوا .


على خطى الحسين عليه السلام _ 18 _
وهكذا وقعت الكارثة والفتنة ، حيث أمتنعت الروية الصائبة على اكثر المسلمين وصار الناس في حيرة ، وصدق اللّه ( عز وجل ) :
( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ) ، وأي ظلمة أشد من العجز عن أدراك الطريق ، صراط اللّه المستقيم ونهج الرسول وأئمة الحق .

أسباب قبول التحكم :
لا بد لنا من تأمل هذه المرحلة المفصلية في تاريخ الأمة ، فنسأل : لماذا قبل الإمام علي ( عليه السلام ) ، التحكيم في نهاية المطاف ؟ ، ولماذا لم يصر على مواصلة القتال حتى القضاء على رأس الأفعى الأموية ؟ فإذا قيل : ان الناس خذلوه ، قالوا : اليس هؤلاء هم الشيعة الذين خذلوا الحسين ( عليه السلام ) بعد ذلك ؟ ! لا سبيل أمامنا سوى مواصلة قراءة النص التاريخي حتى تتضح الحقيقة لكل ذي عينين .
ينقل لنا ابن أبي الحديد ، عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم ، قال : ( أنه لما كان يوم الثلاثاء ، عاشر شهر ربيع الأول ، سنة سبع وثلاثين ، زحف أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) بجيشه ، وخرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين : يا أبا الحسن أبرز الي ، فخرج إليه علي ( عليه السلام ) فقال : أن لك يا علي لقدما في الإسلام والهجرة ، فهل لك في أمر اعرضه عليك ، يكون فيه حقن هذه الدماء ؟ ، قال : وما هو ؟ ، قال : ترجع الى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ، ونرجع نحن الى شامنا فتخلي بيننا وبين الشام ، فقال علي ( عليه السلام ) : قد عرفت ما عرضت ، أن هذه لنصيحة وشفقة ، ولقد أهمني هذا الأمر وأسهرني ، وضربت أنفه وعينه فلم أجد الا القتال او الكفر بما أنزل اللّه على محمد ، ان اللّه ، تعالى ذكره ، لم يرض من اوليائه ان يعصى في الأرض ، وهم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بمعروف ، ولا ينهون عن منكر ، فوجدت القتال أهون على من معالجة في الاغلال في جهنم ، قال : فرجع الرجل وهو يسترجع ) ، امام الأمة يتلقي عرضاً من مندوب بني أمية بتقسيم الأمة الى قسمين ( عراق وشام ) هكذا ببساطة شديدة ، فيكون يومها إسلام عراقي وإسلام شامي ، واليوم إسلام أمريكي ، فهل كان بإمكانه القبول بهذا العرض المرادف للكفر ؟ .


على خطى الحسين عليه السلام _ 19 _
التهب القتال ، ودارت آلة الحرب في ما عرف بليلة الهرير ، وتشاور ابن آكله الاكباد وأبن النابغة حول الورقة الاخيرة للخروج من الهزيمة المروعة ، فلم يجد الشيطان أجدي ولا أنجح من الاستهزاء بكتاب اللّه وادعاء التحاكم إليه ، كما صرح هو بذلك .
ولما اصبح الصبح ، نظر عسكر العراق الى عسكر الشام ليجدوا المصاحف قد ربطت في أطراف الرماح ، ( قال ابو جعفر وأبو الطفيل : أستقبلوا علياً بمئة مصحف ، ووضعوا في كل مجبنة مائتي مصحف فكان جميعها خمسمئه مصحف ) ، كان هذا هو الحال على المستوى السياسي ، وسنقرأ بعد هذا بعض ردود افعال من كانوا في صف الإمام علي ( عليه السلام ) ، لنعرف حقيقة هولاء (الشيعة المزعومين) .
أما على المستوى العسكري ، فيروي نصر بن مزاحم : (وكان الأشتر ، صبيحة ليلة الهرير ، قد أشرف على عسكر معاوية ، عندما جاءه رسول الإمام علي ( عليه السلام ) ، ان ائتني ، فقال : ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك ان تزيلني عن موقفي ، أني قد رجوت الفتح فلا تعجلني ، فرجع يزيد بن هانى‏ء الى علي ( عليه السلام ) فأخبره ، فما هو الا ان انتهى الينا حتى ارتفع الرهج وعلت الاصوات من قبل الاشتر ، وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ، ودلائل الخذلان والأدبار على أهل الشام ، فقال القوم لعلي : واللّه ما نراك أمرته الا بالقتال ! قال : أرأيتموني ساررت رسولي إليه ؟ اليس انما كلمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون ؟ ، قالوا : فأبعث إليه ان يأتيك ، والا فواللّه اعتزلناك ! فقال : ويحك يا يزيد قل له : أقبل فإن الفتنة قد وقعت ، فأتاه فأخبره ، فقال الأشتر :


على خطى الحسين عليه السلام _ 20 _
ابرفع هذه المصاحف ؟ قال : نعم ، قال : واللّه الا ترى الى الفتح ! الا ترى الى ما يلقون ! الا ترى الى الذي يصنع اللّه لنا ؟ أينبغي ان ندع هذا وننصرف عنه! قال له يزيد : أتحب أنك ظفرت هاهنا وان أمير المؤمنين بمكانه الذي هو فيه يسلم الى عدوه! قال : لا واللّه لا أحب ذلك ، قال : فأفهم قد قالوا له ، وحلفوا عليه ، لترسلن الى الاشتر فلياتينك او لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان ، او لنسلمنك الى عدوك ـ فأقبل الاشتر حتى انتهى اليهم وقال : يا أمير المؤمنين أحمل الصف على الصف تصرع القوم ، فتصايحوا : ان أمير المؤمنين قد قبل الحكومة ، ورضي بحكم القرآن ، فقال الاشتر : ان كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد قبل ورضي فقد رضيت ، فأقبل الناس يقولون : قد رضي أمير المؤمنين ، قد قبل أمير المؤمنين ، وهو ساكت لا ينطق بكلمة ، مطرق الى الارض ، ثم قام فسكت الناس كلهم ، فقال : ان أمري لم يزل معكم على ما أحب الى ان أخذت منكم الحرب ، وقد واللّه اخذت منكم وتركت ، وأخذت من عدوكم ولم تترك ، وأنها فيكم أنكي وانهك ، الا أني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأموراً ، وكنت ناهياً فأصبحت منهياً ، وقد أحببتم البقاء وليس لي ان أحملكم على ما تكرهون ، ثم قعد ) .
هل بعد هذا يقال : ان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان رضياً ؟ وهل كان بإمكانه سلام اللّه عليه اجبارهم على النهوض لقتال الظالمين ، ولو كان اجبار الناس على الاستجابة للأمر الألهي من مهام الرسل والانبياء والائمة ، فلماذا عاتب القرآن القاعدين عن الجهاد بقوله تعالى : ( آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ) ولما فر من فر من المسلمين من أصحاب محمد ( صلى اللّه عليه وآله وسلم ) ( ةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ {التوبة/25} ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ ) ولما فروا يوم احد ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ) .


على خطى الحسين عليه السلام _ 21 _
وان لم نكن في صدد تحقيق تاريخ بعض رؤساء العشائر الذين كانوا مع الإمام علي ، تفصيلاً ، فأننا نكتفي بأن نورد ما قاله الدكتور طه حسين في كتابه ( علي وبنوه ) : (وأكبر الظن ان بعض الرؤساء ، من أصحاب علي ، لم يكونوا يخلصون له نفوسهم ولا قلوبهم ، ولم يكونوا ينصحون له ، لأنهم كانوا أصحاب دنيا لا اصحاب دين ، وكانوا يندمون ، في دخائل أنفسهم ، على تلك الأيام الهينة اللينة التي قضوها ايام عثمان ينعمون بالصلات والجوائز والاقطاع ، ويجب ان نذكر ، ايضاً ، ان عليا لم ينهض الى الشام بأهل الكوفة وبمن تابعه من أهل الحجاز وحدهم ، وإنما نهض كذلك بالوف من أهل البصرة ، كان منهم من وفي له يوم الجمل وكان منهم من أعتزل الناس فى ذلك اليوم ايضاً ، وكان منهم مع ذلك كثير من الذين انهزموا بعد مقتل طلحة والزبير ) ، لم يكن هؤلاء ، اذا ، من الشيعة ولا من العارفين بفضل آل بيت محمد عامة والإمام علي خاص والا لما هددوا بقتله ، او تسليمه الى ابن آكله الاكباد كما اسلفنا ، ولسنا نجد ما يصف هؤلاء ابلغ من كلمات الإمام ( عليه السلام ) مخاطباً أياهم : ( أما والذي نفسي بيده ليظهرن هؤلاء القوم عليكم ، ليس لأنهم أولى بالحق منكم ، ولكن لأسراعهم إلى باطل صاحبهم ، وبطائكم عن حقي ، ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها ، وأصبحت أخاف ظلم رعيتى .
استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا ، واسمعتكم فلم تسمعوا ، ودعوتكم سراً وجهرا فلم تستجيبوا ، ونصحت لكم فلم تقبلوا ، اشهود كغياب وعبيد كأرباب ! أتلوا عليكم الحكم فتنفرون منها ، وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها ، وأحثكم على جهاد أهل البغي فما اتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا ، ترجعون الى مجالسكم ، وتتخادعون عن مواعظكم .
أقومكم غدوة وترجعون الي عشية ، كظهر الحنية عجز المقوم وأعضل المقوم ، أيها القوم ، الشاهدة أبدانهم الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواوهم المبلي بهم أمراؤهم ، صاحبكم يطيع اللّه وأنتم تعصونه ، وصاحب أهل الشام يعصي اللّه وهم يطيعونه ! لوددت واللّه أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم ) .


على خطى الحسين عليه السلام _ 22 _
وهكذا سارت أمور هذه الأمة المنكوة ، أر الباطل يعلو وأمر الحق يهبط ، أجتماع على الباطل والدنيا في معسكر الشام وتفرق عن الحق في المعسكر المقابل حتى بلغ الكتاب أجله ، ففاض الكيل وطف الصاع ، حتى قتل الإمام ( عليه السلام ) ، على يد اشقاها ابن ملجم المرادي ، وهكذا غاب عن الحضور ولا نقول عن الوجود شمس هذه الأمة بعد رسولها . . الإمام على ( عليه السلام ) ، أول من اسلم وأول من صلى خلف رسول اللّه ، ( صلى اللّه عليه وآله وسلم ) ، وباب مدينة علم رسول اللّه ، وهكذا صار المشروع الأموي ، قاب قوسين او أدنى من التحقق .
هدنة في صراع يمتد قرونا بويع للإمام الحسن ( عليه السلام ) ، بالخلافة ، بعد استشهاد أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، عام ( 40هـ ـ 66 1م ) ، وقد زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، ولم يعد للقوم صبر ولا رغبة في قتال القاسطين .
أحب القوم الحياة ورغبوا فيها ، يستوي لديهم ان يكون قائدهم علياً او معاوية ، بل لعل معاوية أصلح لدنيا بعض الذين لم يعد لهم الا الحياة الدنيا .
امر القائد الجديد جيشه وأتباعه بإن يستعدوا للقتال فخطبهم قائلا : ( أما بعد ، فإن اللّه كتب الجهاد على خلقه ، وسماه كرها ، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين : أصبروا ان اللّه مع الصابرين .
فلستم ، أيها الناس نائلين ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون .
أخرجوا رحمكم اللّه الى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا ، قال : وأنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له ، قال : فسكتوا فما تكلم منهم أحد ، ولا أجابة بحرف ، فلما رأى ذلك عدي بن حاتم ، قام فقال : أنا أبن حاتم ! سبحان اللّه ! ما أقبح هذا المقام الا تجيبون أمامكم وأبن بنت نبيكم ! أين خطباء مضر الذين السنتهم كالمخاريق في الدعة ؟ ! فاذا جد الجد فرواغون كالثعالب ، اما تخافون مقت اللّه ولا عيبها وعارها ؟ ! ) ، يتضح ، من طبيعة خطاب الإمام الحسن ( عليه السلام ) للقوم ، واستخدامه لهذه العبارات : ( ان اللّه فرض القتال وسماه كرها ) ولستم نائلون ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون ) ثم حاله الصمت التي انتابت الناس ، ان الهزيمة النفسية قد اصابتهم ولم تعد بهم رغبة في جهاد ولا بذل ولا تضحية ، فقد جربوا الدنيا وحلاوتها وباتوا يريدونها ، وهم لن يجدوا ما يطمعون فيه وخاصة رؤسائهم في ظل العدل ، وإنما أشرابت نفوسهم إلى بني أمية قادة المرحلة القادمة ، ومنظرو الإسلام الاموي الذي كان المقدمة الطبيعية لكل الانحرافات وأصناف الشذوذ التي عانت منها الأمة المسلمة وصولاً للأسلام الأمريكي .
ابن النهرين
ابن النهرين
المدير العام

الجنس : ذكر
الابراج : الحمل
عدد المساهمات : 1521
تاريخ الميلاد : 28/03/1981
تاريخ التسجيل : 25/11/2010
العمر : 43

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

على خطى الامام الحسين (ع) (1) Empty رد: على خطى الامام الحسين (ع) (1)

مُساهمة من طرف الأميرة الدلوعة الخميس 2 ديسمبر - 0:14

شكراً سلمت الأنامل الذهبية
موضوع جداً متميز في غاية الأهمية
بأنتظار جديدك
الأميرة الدلوعة
الأميرة الدلوعة
المشرفة العامة لقسم الاسرة
المشرفة العامة لقسم الاسرة

الجنس : انثى
الابراج : الجدي
عدد المساهمات : 228
تاريخ الميلاد : 01/01/1992
تاريخ التسجيل : 01/12/2010
العمر : 32
المزاج المزاج : عالي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

على خطى الامام الحسين (ع) (1) Empty رد: على خطى الامام الحسين (ع) (1)

مُساهمة من طرف الاميرة لارا الخميس 9 ديسمبر - 16:06

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الاميرة لارا
الاميرة لارا
مشرفة على منتدى الاناقة والجمال
مشرفة على منتدى الاناقة والجمال

الجنس : انثى
الابراج : الجوزاء
عدد المساهمات : 765
تاريخ الميلاد : 31/05/1982
تاريخ التسجيل : 03/12/2010
العمر : 41

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

على خطى الامام الحسين (ع) (1) Empty رد: على خطى الامام الحسين (ع) (1)

مُساهمة من طرف ابن النهرين الجمعة 17 ديسمبر - 8:44

الأميرة الدلوعة كتب:شكراً سلمت الأنامل الذهبية
موضوع جداً متميز في غاية الأهمية
بأنتظار جديدك


شكرا جزيلا لكي ايتها الاميرة الغالية



ابن النهرين
ابن النهرين
المدير العام

الجنس : ذكر
الابراج : الحمل
عدد المساهمات : 1521
تاريخ الميلاد : 28/03/1981
تاريخ التسجيل : 25/11/2010
العمر : 43

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

على خطى الامام الحسين (ع) (1) Empty رد: على خطى الامام الحسين (ع) (1)

مُساهمة من طرف ابن النهرين الجمعة 17 ديسمبر - 8:48

العيون النرجسية كتب:[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]


شكرا يا مشرفة المبدعة على مرورك






ابن النهرين
ابن النهرين
المدير العام

الجنس : ذكر
الابراج : الحمل
عدد المساهمات : 1521
تاريخ الميلاد : 28/03/1981
تاريخ التسجيل : 25/11/2010
العمر : 43

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى