الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الاستاذة افراح الموسوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذة افراح الموسوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الاهـداء
الى ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وبضعة لحمه وفلذة كبده وقرة عينه ، سيد شباب اهل الجنة ، والشفيع يوم القيامة المظلوم العطشان والشهيد والسعيد ، الى امام الهدى والعروة الوثقى ، ابا عبد الله الحسين صلوات الله عليه وسلامه وعلى جده وابيه وامه وأخيه ابا الفضل العباس عليه السلام والتسعة المعصومين من ذريته وبنيه . . . يا سيدي يا بن رسول الله اهدي اليك هذا الجهد المتواضع وارجو منك ان تشفع لي ولوا لدي يوم الحساب يوم يفر المرء من من اخيه وصاحبته وبنيه .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين بارئ الخلائق أجمعين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله وحبيبه وصفيه سيدنا أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ) ( آل عمران :أية 110 )
لا نبالغ إذا قلنا بأن العمل الاساسي في ثورة الإمام الحسين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . . . وتلك هي الحقيقة بعينها كما صرح بذلك الحسين ( ع ) : في عدة بيانات كشف فيها أهداف ثورته المباركة ، منها قوله ( ع ) : في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية ( . . . أريد إن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) ومنها قوله في خطابه : ( أما بعد فقد علمتم أن رسول الله ( ص ) قد قال في حياته : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ، ولا فعل ، كان على الله أن يدخله مدخله )(1) والله يقول : ( فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) (2) وقال تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (3)
فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه ، لعلمه إنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها ، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام ، مع رد المظالم ومخالفة الظالم ، وقسمت الفيء والغنائم واخذ الصدقات من مواضعها في حقها ) (4) هكذا كان الحسين ( ع ) يصرح في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستنداً في ذلك الى كتاب الله وسنة رسوله . . . اذن من اجل اقامة هذه الفريضة اقدم الحسين على خوض تلك المعركة الرهيبة التي قدم كل غالٍ ونفيس دمه ، ماله ، اهله اصحابه . . . وبذلك اعطى الحسين ( ع ) لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمتها الحقيقية التي ارادها الله لها .
اقول : ما ارفع هذه الفريضة ، وما اعظم قدرها عند الله تعالى وعند اوليائه . . . حتى تقوم شخصية بتلك الجلالة والعظمة ، لتقدم نفسها فداء لها ، واعادتها على ساحة الامة بتلك التضحية الجبارة التي يراق فيها دم رسول الله ( ص ) ولسبي ذريته ، فلنقف عند هذه الفريضة ، ولنستوحي دورها في حياتنا من كتاب الله وسنة رسوله ( ص ).
معنى المعروف والمنكر ومعنى الامر والنهي
المعروف : ( اسم جامع لكل ما عرف منه طاعة الله ، والتقرب اليه والاحسان الى الناس ، وكل ما يندب اليه الشرع والنهي عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة أي امر معروف بين الناس اذا رأوه لا ينكرونه ، وان شئت قلت : المعروف اسم لكل فعل يعرف حسنه بالشرع واعقل من غير ان ينازع فيه الشرع ) والمنكر ضد ذلك جميعاً ، وفي لسان الفقهاء :( هو كل فعل بوصف زائد على حسنه اذا عرف فاعله ذلك او دل عليه ، المنكر كل فعل قبيح عرف فاعله قبحه ، او دل عليه ) .
اما الامر هو التكليف ، والواجب ، واما النهي فهو المنع ، والردع ولكن ما هو هذا التكليف والامر فهل المقصود منه هو التكليف اللفظي ؟ أي ان لا يتجاوز الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر حدود اللفظ ؟ ولا يتعدى عمل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دور اللسان كلا ، فهناك مراحل ومراتب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تبدأ بالضمير والقلب ومن ثم باللسان واخيراً باليد ، أي بالتطبيق العملي .
فعندما يسأل الإمام علي ( ع ) عن معنى نعت القرآن الكريم بعض الاحياء بالاحياء الميته ميت الاحياء ـ فأنه يقول ( ع ) ما مضمونه بأن ضميره فوراً ، واشتعلت جوارحه تأثراً بما رأى وبدأ بالنطق بلسانه ناهياً ومنعقداً للذي رآه ومنطلقاً في اداء وظيفة الارشاد ، بل ولا يقنع بذلك أو يكتفي به وانما يستمر في المحاولة حتى يدخل مرحلة العمل أي شكل من اشكال العمل باللطف ، او بخشونة ، بالضرب او بالتعرض للقرب ليس مهما الى اين تصل نهايات الامور فالمهم ان يستخدم الوسيلة العلمية الممكنة للنضال والكفاح ضد المنكر .
وهذا الانسان كما يقول الإمام علي ( ع ) هو الحي بكل معاني الحياة اما البعض الآخر عندما يرى المنكر ، فأن قلبه يتحرك تأثيراً مما يرى ، ولذلك تراه يصيح ، وينادي ، ويستغيث ، وينصح ، ويعظ من يراه ضرورياً ؟ واهلاً للموعظة ، ولكنه لا يتجاوز هذه المرحلة الى العمل فهذه حدوده وكفى ، والإمام علي يقول هذا النوع بأنهم احياء ايضاً وعندهم عدد من خصال الحياة لكنهم يفتقدون احد خصالها اما الصنف الثالث فأنك تراه يحترق ، ويشتعل غضباً ، وتنفيراً ، من رأى المنكر ، لكنه لا يحرك ساكناً مقابل ذلك ، بل يكتم تأثيره في داخله فهو يقرأ الجريده مثلاً وهي تكتب عن ايام عاشوراء ، وتصفهما بأنهما من الاعياد او انه ينبغي على الناس ان تستثمر هذه الاعياد وتستغل ايام العطلة هذه وتنطلق في السفر والترفيه الى ما هناك من وسائل الدعاية والترويج المضاد لفكر الإمام الحسين ( ع ) ومنهجه وذكراه الخالدة ، ومع ذلك ترى هذه الفئة من الناس لا تحرك ساكناً ، ولا تعترض على ما يجري بأي شكل من الاشكال ، ولا تتساءل حتى لماذا ينشط هؤلاء ضد الإمام الحسين ( ع ) ومن هم هؤلاء المحرضون ضد الاسلام ولماذا لا يكتب احد ، يرد عليهم بأن للعيد مناسباته وايامه المعروفة .
ومن ثم فأننا ننادي على الدوام بأن قضية الحسين بن علي ( ع ) قد عجنت ، واختلطت بأرواحنا ، ونحن جميعاً مدينون لهذا الدين ، وهذه المدرسة فهذا البلد بلد الحسين بن علي ( ع ) والبلاد هي بلاد التشيع والاسلام فكيف نسمح لأنفسنا ان نرى ونسمع كل هذه الأهانات الموجهة ضد الحسين بن علي ( ع ) وهذه الفئة الثالثة التي نتحدث بصددها الآن ليست حاضرة حتى تنبه رفاقها واهلها والاقربين الى ضرورة احترام شعائر الحسين بن علي ( ع ) والتحمل ثلاثة ايام فقط من دون الاساءة لهذه الشعائر ، حتى هذا القدر القليل من المحافظة على التراث والتقاليد والعرف الحسيني ، لا يصدر من هذه الفئة ـ واقولها صراحة ـ : نحن لم نصن الحسين ، ولم نحافظ عليه .
ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المبدأ الوحيد الذي يتضمن بقاء الاسلام وبعبارة اخرى هو ( العلة المبقية ) كما يصطلح عليه الفقهاء .
شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
ان هذا الواجب الكبير والذي هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر له ركنان او شرطان اساسيان
اولهما : النحو المعرفي
ثانيهما : امتلاك البصيرة بالاشياء
نعم فالمرء على العموم بحاجه الى المعرفة والبصيرة ، والخبرة ، والاطلاع ، والعلم بالشيء ، وبشيء من علم النفس وعلم الاجتماع ، قبل ان يمارس مهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
أي ان عليه ان يشخص المعروف اولاً ، ويحدد موقعه ، ثم يشخص المنكر ، ويكشف عن جذوره ومنابع نموه ، ولذلك ترى ان ائمة الدين قالوا في هذا الشأن .
الافضل ان لا يقوم الجاهل بمهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لماذا ، ( لانه ما يفسده اكثر مما يصلحه ) وذلك ان الجاهل ربما جاءت نتيجة عمله مغايرة لما اراده من اصلاح كأن يسيء لشخص اراد من خلال ممارسة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر الاحسان له ، والامثلة على ذلك كثيره جداً .
وهنا ربما تقولون اذاً فقد سقط عنا نحن الجهال واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن القرأن يرد على هذه المقولة بقوله تعالى ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ )(5) او ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(6) وفي سؤال احدهم لأحد المعصومين عليهم السلام ، عن كيفية محاسبة البعض الجاهل من الناس يوم القيامة ، يقول ( ع ) ما مضمونه :
يأتون في ذلك اليوم المشهود بعالم ويسألونه عن سبب تخلفه عن ممارسة الواجب ولايكون عنده جواب فينال جزاءه المعلوم ، ويكون مصيره العار والذل .
ومن ثم يأتون بآخر ويسألونه عن سبب تخلفه فيقول لم اكن اعلم فيقولون له ( هلا تعلمت ) (7) اذ ان عدم المعرفة والفهم ليس عذراً مشروعاً والا فما هو الهدف من وراء خلق الله سبحانه وتعالى للعقل نعم ليس علينا ان نكتفي بفهم اوضاع زماننا فقط بل ان علينا ان نفهم وندرك ما يخبأه لنا المستقبل فأميرالمؤمنين ( ع ) يقول ( ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا )(8) صحيح اننا نجلس اليوم هنا ونحلل بكل سهولة احداث ذلك الزمان لكن رجال ذلك العصر لم يكونو يدركون ما كان الحسين بن علي ( ع ) انها ليلة التاسع من محرم ، وحري بنا ان نذكر بالخير ذلك المجاهد في سبيل الله الآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر ، ذلك الرجل الذي نال رضى الحسين بن علي ( ع ) بالتمام والكمال ، انه حضرة العباس ( ع ) قال الإمام الصادق ( ع ) ( رحم الله عمي العباس لقد اثر وابلى بلاءاً حسناً ) لقد كان عليه السلام بمنتهى المروءه ، وقد قدم كل شيء على طبق من الاخلاص التام في النية ، وكان مثالاً في التضحية والفداء ونحن مع ذلك لا نرى الا الجانب المادي من حركة العباس ( ع ) ولا نلاحظ روح عمله الكبير حتى ندرك مدى الاهمية البالغة التي تميز فعل العباس وحركته في ليلة العاشر من محرم وبينما كان العباس في خدمة ابي عبدالله الحسين ( ع ) واذا بأحد رؤوس الفتنه من الاعداء ، ينادي باعلى صوته بأنه قد جاء بالأمان للعباس واخوته من طرف ابن زياد اما العباس الذي سمع صوت المنادي ، فأنه ظل جامداً لا يتحرك وهو ينظر الى الحسين بن علي بكل خشوع واحترام ، ولا يبالي بقول ذلك المنادي ، وكأن شيءٍ لم يكن ، الى ان طلب منه الإمام ان يرد عليه ، وان كان فاسقاً فخرج العباس ليرى ان المنادي هو شمر ابن ذو الجوشن ( لعنه الله ) ، الذي تربطه بالعباس رابطة بعيدة عن طريق الام وقد تصور العباس انه قادم من الكوفة ، وقد حمل خبراً وبشارة الى العباس وأخوته بفضل هذا الامان ، لكن العباس رد بكل عنف وبكل مروءة الرجال وهو يقول له لعنك الله ولعن من ارسلك بهذا الامان وماذا تعرف عني ، وماذا تتصورني وهل تخيلت انني ومن اجل سلامتي سأتخلف عن امامي وأخي الحسين بن علي ( ع ) والتحق بك انني قد كبرت في حضن يأبى ذلك مني والثدي الذي ارضعني ينتقص مني مثل هذا التصرف الخائن نعم فأمه هي ام البنين زوجة علي ( ع ) التي ولدت له اربعة اولاد التي يكتب المؤرخون عن زواجها ان علي قد طلب من اخيه عقيل ان يبحث له عن امرأة ولدتها الفحول لتلد لي ولداً شجاعاً هذه المرأة الجليلة ( ام البنين ) التي كانت لا تزال على قيد الحياة ولكنها لم تكن حاضرة في واقعة كربلاء استشهد لها اربعة اولاد وعندما وصل نبأ استشهادهم لها ، وهي في المدينة ، يقال انها صارت تقيم لهم المأتم وتجلس في الدرب احياناً على الطريق المؤدية الى العراق واخرى في البقيع ، تندب بهم وتبكيهم كبكاء تنفطر له الاكباد وترتب بأبيات من الشعر في منتهى الحزن المتأثر حتى انه يقال ان مراوان ( ابن الحكم ) وهو حاكم المدينة آنذاك ، ومع العداوة والقساوة التي كان يحملها في قلبه ضد آل البيت يتوقف احياناً ، يبكي لرثاء ام البنين لأولادها ، وتقول رثياتها
الى ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وبضعة لحمه وفلذة كبده وقرة عينه ، سيد شباب اهل الجنة ، والشفيع يوم القيامة المظلوم العطشان والشهيد والسعيد ، الى امام الهدى والعروة الوثقى ، ابا عبد الله الحسين صلوات الله عليه وسلامه وعلى جده وابيه وامه وأخيه ابا الفضل العباس عليه السلام والتسعة المعصومين من ذريته وبنيه . . . يا سيدي يا بن رسول الله اهدي اليك هذا الجهد المتواضع وارجو منك ان تشفع لي ولوا لدي يوم الحساب يوم يفر المرء من من اخيه وصاحبته وبنيه .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين بارئ الخلائق أجمعين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله وحبيبه وصفيه سيدنا أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ) ( آل عمران :أية 110 )
لا نبالغ إذا قلنا بأن العمل الاساسي في ثورة الإمام الحسين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . . . وتلك هي الحقيقة بعينها كما صرح بذلك الحسين ( ع ) : في عدة بيانات كشف فيها أهداف ثورته المباركة ، منها قوله ( ع ) : في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية ( . . . أريد إن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) ومنها قوله في خطابه : ( أما بعد فقد علمتم أن رسول الله ( ص ) قد قال في حياته : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ، ولا فعل ، كان على الله أن يدخله مدخله )(1) والله يقول : ( فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) (2) وقال تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (3)
فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه ، لعلمه إنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها ، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام ، مع رد المظالم ومخالفة الظالم ، وقسمت الفيء والغنائم واخذ الصدقات من مواضعها في حقها ) (4) هكذا كان الحسين ( ع ) يصرح في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستنداً في ذلك الى كتاب الله وسنة رسوله . . . اذن من اجل اقامة هذه الفريضة اقدم الحسين على خوض تلك المعركة الرهيبة التي قدم كل غالٍ ونفيس دمه ، ماله ، اهله اصحابه . . . وبذلك اعطى الحسين ( ع ) لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمتها الحقيقية التي ارادها الله لها .
اقول : ما ارفع هذه الفريضة ، وما اعظم قدرها عند الله تعالى وعند اوليائه . . . حتى تقوم شخصية بتلك الجلالة والعظمة ، لتقدم نفسها فداء لها ، واعادتها على ساحة الامة بتلك التضحية الجبارة التي يراق فيها دم رسول الله ( ص ) ولسبي ذريته ، فلنقف عند هذه الفريضة ، ولنستوحي دورها في حياتنا من كتاب الله وسنة رسوله ( ص ).
معنى المعروف والمنكر ومعنى الامر والنهي
المعروف : ( اسم جامع لكل ما عرف منه طاعة الله ، والتقرب اليه والاحسان الى الناس ، وكل ما يندب اليه الشرع والنهي عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة أي امر معروف بين الناس اذا رأوه لا ينكرونه ، وان شئت قلت : المعروف اسم لكل فعل يعرف حسنه بالشرع واعقل من غير ان ينازع فيه الشرع ) والمنكر ضد ذلك جميعاً ، وفي لسان الفقهاء :( هو كل فعل بوصف زائد على حسنه اذا عرف فاعله ذلك او دل عليه ، المنكر كل فعل قبيح عرف فاعله قبحه ، او دل عليه ) .
اما الامر هو التكليف ، والواجب ، واما النهي فهو المنع ، والردع ولكن ما هو هذا التكليف والامر فهل المقصود منه هو التكليف اللفظي ؟ أي ان لا يتجاوز الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر حدود اللفظ ؟ ولا يتعدى عمل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دور اللسان كلا ، فهناك مراحل ومراتب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تبدأ بالضمير والقلب ومن ثم باللسان واخيراً باليد ، أي بالتطبيق العملي .
فعندما يسأل الإمام علي ( ع ) عن معنى نعت القرآن الكريم بعض الاحياء بالاحياء الميته ميت الاحياء ـ فأنه يقول ( ع ) ما مضمونه بأن ضميره فوراً ، واشتعلت جوارحه تأثراً بما رأى وبدأ بالنطق بلسانه ناهياً ومنعقداً للذي رآه ومنطلقاً في اداء وظيفة الارشاد ، بل ولا يقنع بذلك أو يكتفي به وانما يستمر في المحاولة حتى يدخل مرحلة العمل أي شكل من اشكال العمل باللطف ، او بخشونة ، بالضرب او بالتعرض للقرب ليس مهما الى اين تصل نهايات الامور فالمهم ان يستخدم الوسيلة العلمية الممكنة للنضال والكفاح ضد المنكر .
وهذا الانسان كما يقول الإمام علي ( ع ) هو الحي بكل معاني الحياة اما البعض الآخر عندما يرى المنكر ، فأن قلبه يتحرك تأثيراً مما يرى ، ولذلك تراه يصيح ، وينادي ، ويستغيث ، وينصح ، ويعظ من يراه ضرورياً ؟ واهلاً للموعظة ، ولكنه لا يتجاوز هذه المرحلة الى العمل فهذه حدوده وكفى ، والإمام علي يقول هذا النوع بأنهم احياء ايضاً وعندهم عدد من خصال الحياة لكنهم يفتقدون احد خصالها اما الصنف الثالث فأنك تراه يحترق ، ويشتعل غضباً ، وتنفيراً ، من رأى المنكر ، لكنه لا يحرك ساكناً مقابل ذلك ، بل يكتم تأثيره في داخله فهو يقرأ الجريده مثلاً وهي تكتب عن ايام عاشوراء ، وتصفهما بأنهما من الاعياد او انه ينبغي على الناس ان تستثمر هذه الاعياد وتستغل ايام العطلة هذه وتنطلق في السفر والترفيه الى ما هناك من وسائل الدعاية والترويج المضاد لفكر الإمام الحسين ( ع ) ومنهجه وذكراه الخالدة ، ومع ذلك ترى هذه الفئة من الناس لا تحرك ساكناً ، ولا تعترض على ما يجري بأي شكل من الاشكال ، ولا تتساءل حتى لماذا ينشط هؤلاء ضد الإمام الحسين ( ع ) ومن هم هؤلاء المحرضون ضد الاسلام ولماذا لا يكتب احد ، يرد عليهم بأن للعيد مناسباته وايامه المعروفة .
ومن ثم فأننا ننادي على الدوام بأن قضية الحسين بن علي ( ع ) قد عجنت ، واختلطت بأرواحنا ، ونحن جميعاً مدينون لهذا الدين ، وهذه المدرسة فهذا البلد بلد الحسين بن علي ( ع ) والبلاد هي بلاد التشيع والاسلام فكيف نسمح لأنفسنا ان نرى ونسمع كل هذه الأهانات الموجهة ضد الحسين بن علي ( ع ) وهذه الفئة الثالثة التي نتحدث بصددها الآن ليست حاضرة حتى تنبه رفاقها واهلها والاقربين الى ضرورة احترام شعائر الحسين بن علي ( ع ) والتحمل ثلاثة ايام فقط من دون الاساءة لهذه الشعائر ، حتى هذا القدر القليل من المحافظة على التراث والتقاليد والعرف الحسيني ، لا يصدر من هذه الفئة ـ واقولها صراحة ـ : نحن لم نصن الحسين ، ولم نحافظ عليه .
ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المبدأ الوحيد الذي يتضمن بقاء الاسلام وبعبارة اخرى هو ( العلة المبقية ) كما يصطلح عليه الفقهاء .
شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
ان هذا الواجب الكبير والذي هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر له ركنان او شرطان اساسيان
اولهما : النحو المعرفي
ثانيهما : امتلاك البصيرة بالاشياء
نعم فالمرء على العموم بحاجه الى المعرفة والبصيرة ، والخبرة ، والاطلاع ، والعلم بالشيء ، وبشيء من علم النفس وعلم الاجتماع ، قبل ان يمارس مهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
أي ان عليه ان يشخص المعروف اولاً ، ويحدد موقعه ، ثم يشخص المنكر ، ويكشف عن جذوره ومنابع نموه ، ولذلك ترى ان ائمة الدين قالوا في هذا الشأن .
الافضل ان لا يقوم الجاهل بمهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لماذا ، ( لانه ما يفسده اكثر مما يصلحه ) وذلك ان الجاهل ربما جاءت نتيجة عمله مغايرة لما اراده من اصلاح كأن يسيء لشخص اراد من خلال ممارسة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر الاحسان له ، والامثلة على ذلك كثيره جداً .
وهنا ربما تقولون اذاً فقد سقط عنا نحن الجهال واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن القرأن يرد على هذه المقولة بقوله تعالى ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ )(5) او ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(6) وفي سؤال احدهم لأحد المعصومين عليهم السلام ، عن كيفية محاسبة البعض الجاهل من الناس يوم القيامة ، يقول ( ع ) ما مضمونه :
يأتون في ذلك اليوم المشهود بعالم ويسألونه عن سبب تخلفه عن ممارسة الواجب ولايكون عنده جواب فينال جزاءه المعلوم ، ويكون مصيره العار والذل .
ومن ثم يأتون بآخر ويسألونه عن سبب تخلفه فيقول لم اكن اعلم فيقولون له ( هلا تعلمت ) (7) اذ ان عدم المعرفة والفهم ليس عذراً مشروعاً والا فما هو الهدف من وراء خلق الله سبحانه وتعالى للعقل نعم ليس علينا ان نكتفي بفهم اوضاع زماننا فقط بل ان علينا ان نفهم وندرك ما يخبأه لنا المستقبل فأميرالمؤمنين ( ع ) يقول ( ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا )(8) صحيح اننا نجلس اليوم هنا ونحلل بكل سهولة احداث ذلك الزمان لكن رجال ذلك العصر لم يكونو يدركون ما كان الحسين بن علي ( ع ) انها ليلة التاسع من محرم ، وحري بنا ان نذكر بالخير ذلك المجاهد في سبيل الله الآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر ، ذلك الرجل الذي نال رضى الحسين بن علي ( ع ) بالتمام والكمال ، انه حضرة العباس ( ع ) قال الإمام الصادق ( ع ) ( رحم الله عمي العباس لقد اثر وابلى بلاءاً حسناً ) لقد كان عليه السلام بمنتهى المروءه ، وقد قدم كل شيء على طبق من الاخلاص التام في النية ، وكان مثالاً في التضحية والفداء ونحن مع ذلك لا نرى الا الجانب المادي من حركة العباس ( ع ) ولا نلاحظ روح عمله الكبير حتى ندرك مدى الاهمية البالغة التي تميز فعل العباس وحركته في ليلة العاشر من محرم وبينما كان العباس في خدمة ابي عبدالله الحسين ( ع ) واذا بأحد رؤوس الفتنه من الاعداء ، ينادي باعلى صوته بأنه قد جاء بالأمان للعباس واخوته من طرف ابن زياد اما العباس الذي سمع صوت المنادي ، فأنه ظل جامداً لا يتحرك وهو ينظر الى الحسين بن علي بكل خشوع واحترام ، ولا يبالي بقول ذلك المنادي ، وكأن شيءٍ لم يكن ، الى ان طلب منه الإمام ان يرد عليه ، وان كان فاسقاً فخرج العباس ليرى ان المنادي هو شمر ابن ذو الجوشن ( لعنه الله ) ، الذي تربطه بالعباس رابطة بعيدة عن طريق الام وقد تصور العباس انه قادم من الكوفة ، وقد حمل خبراً وبشارة الى العباس وأخوته بفضل هذا الامان ، لكن العباس رد بكل عنف وبكل مروءة الرجال وهو يقول له لعنك الله ولعن من ارسلك بهذا الامان وماذا تعرف عني ، وماذا تتصورني وهل تخيلت انني ومن اجل سلامتي سأتخلف عن امامي وأخي الحسين بن علي ( ع ) والتحق بك انني قد كبرت في حضن يأبى ذلك مني والثدي الذي ارضعني ينتقص مني مثل هذا التصرف الخائن نعم فأمه هي ام البنين زوجة علي ( ع ) التي ولدت له اربعة اولاد التي يكتب المؤرخون عن زواجها ان علي قد طلب من اخيه عقيل ان يبحث له عن امرأة ولدتها الفحول لتلد لي ولداً شجاعاً هذه المرأة الجليلة ( ام البنين ) التي كانت لا تزال على قيد الحياة ولكنها لم تكن حاضرة في واقعة كربلاء استشهد لها اربعة اولاد وعندما وصل نبأ استشهادهم لها ، وهي في المدينة ، يقال انها صارت تقيم لهم المأتم وتجلس في الدرب احياناً على الطريق المؤدية الى العراق واخرى في البقيع ، تندب بهم وتبكيهم كبكاء تنفطر له الاكباد وترتب بأبيات من الشعر في منتهى الحزن المتأثر حتى انه يقال ان مراوان ( ابن الحكم ) وهو حاكم المدينة آنذاك ، ومع العداوة والقساوة التي كان يحملها في قلبه ضد آل البيت يتوقف احياناً ، يبكي لرثاء ام البنين لأولادها ، وتقول رثياتها
لا تـدعوني ويك ام iiالبنين تـذكروني بـليوث العرين
كـان لـي بنون ادعى iiبهم واليوم اصبحت ولا من بنين
الله اكبر لفجاعة المأسآة الله اكبر لتلك المروءه ولتلك الام التي ولدتها الفحول وفي اخرى لها وهي ترثي ابا الفضل العباس ( ع ) تقول
يا من رأى العباس كر على جماهير النقد ووراءه ابناء حيدر كل ذي ليث ذي iiلبد
انبئت ان ابني اصـيب برأسه مقطوع يد ويلي على شبلي امال برأسه ضرب العمد
لـــو كــان ســـيفك فـي يــدك لــما دنــــا منــك iiاحــــد
مراحل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَن )(9) وقال امير المؤمنين علي ( ع ) : ( فمنهم المنكر بيده ولسانه وقلبه ، فذلك المستكمل لخصال الخير ، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده ، فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير ، ومضيع خصلة ، ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده ولسانه فذلك الذي ضيع اشرف الخصلتين من الثلاث ، ومتمسك بواحدة ومنهم تارك الانكار والمنكر بلسانه وقلبه ويده ، فذلك ميت الاحياء ، واما اعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الا كنفثة في بحر لجي . . . ) (10) اذن على أي مؤمن ، ان لا يتهاون ، او يترك الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر بأي حال من الاحوال وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب او مراحل حسب الظرف المناسب وحسب قدرة المكلف ، بهذا جعل الشارع تقدير الاهم والمهم للمكلف .
المرتبة الاولى
هي الهجر والاعراض او اظهار الانزعاج والاستنكار القلبي كالعبوس ، والاعراض والصدود ، وترك الكلام معه من غيرها ، أي انك عندما تلقي فرداً او مجموعة يقومون بارتكاب المنكر او العمل القبيح فحتى يكون موقفك ذات مفعول ردعي لدى الشخص او المجموعة ، وبمثابتة نوع من النضال ضد ذلك العمل القبيح فعليك ان تقوم بالاعراض عنه وهجرانه أي قطع العلاقة به .
بالطبع ينبغي هنا ان يكون تصرفك منطقياً ، وخالياً من أي نوع من انواع العبث بمعنى آخر ينبغي ان يكون اسلوبك بشكل يؤدي الى الارتداع عن ممارسة تلك الاعمال المذكورة بعد ان تحس بنوع من العذاب والمعانات الروحية الناتجة عن برودة المعاملة الجديدة وقد يصادف ان ابنك او صديقك او احد اقاربك وهو من الذين ابتلوا بممارسة عمل المنكر ، ينتظر في الواقع تلك الفرصة التي تقطع انت فيها علاقتك معه ، وتهجره حتى يتفرغ هو لمتابعة عمل المنكر التي غرق فيه وفي اجواءه وفي مثل هذه الحالة لا يجوز استخدام هذه الطريقة ، لانك تكون بذلك قد ساهمت في تعزيز موقع المنكر والرذيلة وشجعت الطرف المقابل على مزيد من الارتماء في عالم الشر والمنكرات ، وهذا امر غير جائز ايضاً .
أما المرتبة الثانية
مرتبة الاقوال ، فهي مرحلة اللسان ، أي مرحلة النصح ، والارشاد والوعظ ، وتذكير ، وتخويف من الله، وترغيب بثوابه ، واذا لم ينفع يستعمل الخشونة ، والغلظة ، والتهديد والردع ، وعلى كل حال يتدرج من الايسر الى الاشد حسب درجات التأثير
اما المرتبة الثالثة
فهي مرحلة العمل والممارسة او استعمال القوة ، فأحياناً يكون الطرف المقابل في حالة ودرجة من درجات الاستغراق في عمل المنكر حيث لا يفيد معه وسيله الاعراض او وسيلة استخدام منطق النصح والارشاد فكلاهما لا يرد عانه عن الاستمرار في ممارسة المنكرات ، وعندها لابد من دخول ميدان العمل فهناك حالات لا بد استخدام العنف فيها ، فالاسلام دين الحدود والتعزيرات ، أي انه دين يرى ان مراحل الاجرام قد تصل الى درجة احياناً لابد للمشرع فيها من استخدام وسائل الردع العملية لانها تكون عند ذلك الطريقة الوحيدة الرادعة عن استمرار عمل الشر والمنكر .
لكنه لا يجوز لنا ان نرتكب الخطأ ونتصور ان كافة الحالات يمكن معالجتها بالخشونة والعنف .
ان علياً ( ع ) يصف النبي الاكرم محمداً ( ص ) فيقول ( طبيب دوار بطبه ، قد احكم مراهمه واحصى مياسمه ) (11) .
ولهذا افتى بعض الفقهاء ، بعدم جواز الانتقال من المرتبة الاولى الى الثانية اذا كانت المرتبة الاولى كافية ، يقول السيد الإمام الخميني ( رضي الله عنه ) ( يجب الاقتصار على المرتبة المذكورة ( القلبية ) مع احتمال التأثير ، ورفع المنكر بها ، وكذا يجب الاقتصار فيها على الدرجة الدانية فالدانية والايسر فالأيسر سيما اذا كان الطرف في مورد يهتك بمثل فعله ، فلا يجوز التعدي عن المقدار اللازم ، فأن احتمل حصول المطلوب بغمض العين المفهم للطلب لا يجوز التعدي الى مرتبة فوقه ) ان الامر بالمعروف ايضاً يمر بمراحل ودرجات مع فرق ان الامر بالمعروف ينقسم الى قسمين فقط : لفظي وعملي
واللفظي هو ما يقوم الانسان بشرحه وتبيانه للناس بلسانه ، فيلقي عليهم الحجة بيان الحقائق ، وتنوير الناس باعمال الخير ، وتشجيعهم على فعله وتشخيص مصاديقه في كل عصر وزمان .
ان الامر بالمعروف عمل لا ينبغي للانسان ان يقنع بالقول منه فقط ، فالقول وحده ليس كافياً ، ويمكننا القول ان احد امراض مجتمعنا الواهن هو كوننا نولي اهمية فوق الحد للقول والكلام ، فلا يجوز ان يكون هدفنا الوصول الى غاياتنا كلها عن طريق القول والكلام ، وبذلك نكون مثل اولئك الذين يريدون حل المعضلات كافة بالدعاء والاستغاثة ، وانتظار المعاجز من وراء تلك الاستغاثة فنود لو اننا ندخل ميدان الصراع بقوة اللفظ والبيان فقط ، بينما حال الامور غير ذلك تماماً ( فالقول ) شرط ضروري ولكنه ليس كافياً اذ ينبغي العمل والممارسة ، ثم ان للامر بالمعروف اللفظي والامر بالمعروف العملي طريقان :
1 ـ طريق مباشر
2 ـ طريق غير مباشر
فأحياناً يتم الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، بواسطة الدخول المباشر بالموضوع ، فيقول المرء ما يريد قوله مباشرة ، كأن يريد احدنا الطلب ، من شخص ما ممارسة عمل معين ، فيقول له ارجو منك ان تقوم بالعمل الفلاني ، ولكن قد يحصل الطلب في احيان اخرى بشكل غير مباشر من خلال افهام الطرف الاخر بما هو مطلوب منه ان يقوم به دون التصريح بذلك الطلب ، وهذا الاسلوب البته اكثر افادة وتأثيراً واليكم مثالاً حول الاسلوب غير المباشر في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اللفظي في طرح القضايا يقول الراوي انه صادف يوماً ان الحسن والحسين ( ع ) وهما سائران في الطريق ، واذا بهما يلتقيان بشيخ عجوز ، كان يؤدي فريضة الوضوء ، بطريقة خاطئة ، مما يعني بطلان وضوءه ولما كانا لا يزالان شابين صغيرين ، وامامهما واجب افهام الشيخ العجوز ، ببطلان وضوءه ، ولما يتميزان به من نظرة حادة ، ومعرفة دقيقة ، في تقاليد الاسلام والاعراف ، والعادات الدينية المفروضة ، حتى لا يجرها احاسيس شخصية الطرف المقابل وشعوره من خلال التصريح له ببطلان وضوءه ، ويكون رد الفعل الاول المتوقع من قبل الرجل هو رفض تدخلهما ، ورد مقبول لهما لذلك كله قررا ان يذهبا اليه ويشرعا في الوضوء امامه ، ويطلبا منه ان يحكم بينهما على صحة الوضوء الذي يقوم به كل منها ، ولما كان المتوقع من الشيخ الكبير ، قبول هذا التحكيم بين طفلين صغيرين ، فقد طلب اليهما اداء الوضوء ، وبالفعل توضأ كل من الحسن والحسين ( ع ) ، وضوء كاملاً امامه ، واذا بالشيخ الكبير يلتفت الى بطلان وضوئه ، فيقول لهما ان وضوء كليكما صحيح ، ووضوئي كان باطلاً . . . نعم هكذا ينبغي العمل على تصحيح اخطاء الاخرين .
ولا يمكن ان تتصورالطريقة الاخرى ( الطريقة المباشرة ) التي كان في الممكن اتباعها ، كانا يتوجها اليه فوراً ويقولا له :
ايها الشيخ الأ تخجل من نفسك ، وانت بهذه الشيبة البيضاء ، لا تزال تجهل عمل الوضوء ، الى غير ذلك من الكلام الجارح ، ولكن تأكدوا فإن نتيجة ذلك كانت حتماً ستؤدي بالشيخ الى ترك الصلاة والنفور منها ( وغير ذلك من الامثلة الاخرى ) والنظر الى الحسين بن علي ( ع ) ونرى كم كانت خطبه ، وكم كان عمله لو عندها سنرى قله خطبه ، وحجم عمله الكبير .
نعم فعندما يكون العمل هو الاساس ، لا تكون هناك حاجة الى الكلام الكثير ، وها هو الحسين ( ع ) ينادي : ( فمن كان باذلاً فينا مهجته ، موطناً على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا ، فأني راحل محباً ، ان شاء الله )(12) .
أي انه من التحق بقافلتنا من اجل بلاده ، فليعد من حيث اتى ، ومن جاء معنا ، وليس على استعداد للتضحية بنفسة ، فليرحل من بيننا ايضاً ، فقافلتنا هي قافله المضحين ، ولهذا فأن الإمام الحسين ( ع ) يخطب في افراد القافلة ، مرة اخرى ، في وسط الطريق ويقول لهم :
ايها الناس من لحق بنا ولديه تصور اننا نريد المقام والسلطان ، فأن الامر ليس كذلك ، ولأفضل له العودة من حيث اتى : واما خطبته الاخيرة ، او الغربال الاخير ، فقد كان ليلة العاشر من محرم ، حيث خطب عليه السلام خطبته التأريخية ، ولكن الجو كان نقياً ، وخالصاً في تلك الليلة ، اذا لم يخرج احد من هذا الغربال : ان الشخص الوحيد الذي ارتكب الخطأ التاريخي ، هو صاحب كتاب ( ناسخ التواريخ ) حيث ذكر انه قد خرج عدد من اصحاب الإمام بعد انتهاء الخطبة ، واستغلوا سواد الليل ليكون غطاء لأنسحابهم من ساحة المواجهة والمصير المحتوم ولو ان احداً من اصحاب الحسين ( ع ) ، وان كان طفلاً كان قد ابدى أي ضعف ، او تراجع في اليوم العاشر من محرم ، والتحق مثلاً بمعسكر العدو الذي كان اقوى ، اكثر اقتداراً من معسكر الحسين ، وذلك من اجل النجاة بجلده وطلب الامان لدى جيش العدو لكان ذلك مظهراً من مظاهر الضعف والنقيصة في شخص الإمام الحسين ( ع ) والمدرسة الحسينية .
لكن الذي حدث هو العكس تماماً فقد جذب معسكر الحسين عدداً من افراد العدو الى جانبة : فقوة الجاذبية ، والايمان ، والعمل ، وذلك العمل العظيم الذي يتلخص بالأمر بالمعروف الذي مارسه الحسين ( ع ) تجاه الطرف الاخر ، جعل من الحر بن يزيد الرياحي ، ذلك الرجل الذي امتشق سيفه في البداية لمحاربة الإمام ، ان ينتفض من عبودية الكفر ، في يوم عاشوراء ، وينتقل مقاتلاً في صفوف معسكر الحسين ( ع ) ويصبح بالتالي واحداً من ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ ) نعم هذا الرجل الذي اكتسب هذه الشهرة وهي المهمة التي اوكلها له يزيد بأن يترأس الف مقاتل لمواجهة الحسين بن علي ، ترى الحسين قد احرق قلبه وحوله اشبه بالموقد الذي اشتعل النار في داخله .
نعم انها النار التي اشعلها الإمام الحسين بن علي ( ع ) في هذا الرجل ، وهكذا تكون قوة ضغط البخار تشد على الرجل من ناحية ، وتدفعه بأتجاه التحول نحو معسكر الحسين بن علي ( ع ) .
من ناحية اخرى ، وهكذا اختار هذا الرجل الشريف ، الحر كما وصفه الإمام الحسين ( ع ) موقفه ، واختار طريق الحق والجنة ، وبعد صراع نفسي داخلي مرير ، ثم يقاتل هذا الرجل الشريف حتى استشهد ، لكن الحسين ( ع ) لم يتركه دون مكافاءة . يقول الراوي : فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول ( انت حر كما سمتك امك ) والذين حملهم الحسين ومسح على وجوههم في ميدان المعركة مختلفون .
انه الحسين الجليل ، الشريف ، العظيم ، الذي لا ينسى تفقد اصحابه حتى المستطاع وهذا بحد ذاته نوع من انواع الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ومن بين اولئك الذين احتضنهم ابو عبدالله ( ع ) ، في اللحظات الاخيرة من حياتهم ، لم يكن احد اسوء وصفاً واصعب موقفاً ، من وضع اخيه ابي الفضل العباس ( ع ) ، ذلك الاخ الذي كان الحسين ( ع ) يجله كثيراً ، والذي كان يمثل له الاثر الحي المتبقي من شجاعة امير المؤمنين علي ( ع ) يقول الراوي ( لما قتل العباس بان الانكسار في وجه الحسين ( ع ) ) عندما وصل الحسين الى اخاه ابا الفضل العباس ( ع ) ، وقد تطايرت يداه من بدنه وقد تهشم رأسه بفعل ضربة من عمود حديد ، والسهم قد اصاب عينه ، ولذلك لم يكن عجيباً ان يكتب التاريخ عن وضع الحسين وقال في تلك اللحظة المريرة ، وهو يودّع شقيقه : ( الان انقطع ظهري وقلت حيلتي ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ) .
آثار ترك المعروف والنهي عن المنكر
1 ـ عدم استجابة دعاء الصالحين : لقد اكدت الاحاديث الشريفة ان ابواب السماء لا تفتح للذين يعيشون في مجتمع تقيم فيها المفاسد ولا تنكر فيها فعن الإمام الصادق ( ع ) عن ابائه ( ع ) عن امير المؤمنين ( ع ) انه قال ( لا تتركوا الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فيولي الله اموركم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم )(13) .
2 ـ انتشار المفاسد الاخلاقية وغيرها سوف تنتشر في المجتمع اذا سكت الناس عنها فلم يقفوا بوجه مفسد فينهونه ، ولم يأمرو بالمعروف .
3 ـ سلب القدسية من الامة : انما نقدس الامم ونحترم بمقدار سيادة الحق والعدل والانصاف فيها فإذا انتشر فيها الباطل ، سيطر اهله ، واحترم الفاسق واهين العادل ، فحينئذ تنقلب الموازين ، ومثل هذا المجتمع تنعدم قدسيته : لأن الامة التي لا تأمر بالمعروف ، ولا تنهى عن المنكر سوف يؤكل حق الضعيف .
عن رسول الله ( ص ) ( لا يقدس الله امة لا يؤاخذ من شديدهم لضعيفهم ) .
4 ـ تسلط الظالمين : غياب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اية امة من الامم يؤدي الى اختلاف الموازين ، فعن محمد بن عرفة قال : ( سمعت ابا الحسن علي ( ع ) يقول لتأمرون بالمعروف ، ولتنهن عن المنكر او ليحملن عليكم شراركم ، فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم ) (14) .
5 ـ ارتفاع التدين عن تاركي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر : عن الصادق ( ع ) انه قال : ( ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) (15) ولا اعرف قارعة تحل بأنسان اقطع من نفي الايمان عنه .
6 ـ حلول العذاب الالهي : وهي النتيجة النهائية ، حيث ان المجتمع الذي تقام فيه المفاسد ، وتسلب منه القدسية ، ويتعالى فيه الظلم ، ويهتك فيه الظالم حينئذ مثل هذا المجتمع لا يستحق الحياة ، فينزل عليه العذاب : تأديباً وتمحيصاً محقاً وتدميراً وهذا ما اكدته الروايات الواردة في هذا الشأن قال رسول الله ( ص ) : ( لتأمراً بالمعروف ولتنهن عن المنكر او ليعمنكم عذاب الله )(16) .
الهوامش
1 ـ الخوارزمي ، مقتل الحسين ( ع ) : 1 / 34 ، وبحار الانوار : 44 / 382 .
2 ـ المائدة : آية 44 .
3 ـ التوبة : آية 71 .
4 ـ المحدث المجلسي : بحار الانوار: 100 / 79 .
5 ـ سورة الانفال : الآية 42 .
6 ـ سورة النباء : الآية 65 .
7 ـ ابصار العين ص 26 .
8 ـ نهج البلاغة الخطبة رقم 32 .
9 ـ سورة التوبة : الآية 112 .
10 ـ نهج البلاغة ، الكلمات القصار رقم : 374 .
11 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 107 .
12 ـ اللهوف على الطفوف ص 26 .
13 ـ المحدث المجلسي ، بحار الانوار : 100 / 85 .
14 ـ المحدث المجلسي ، بحار الانوار : 100 / 93 .
15 ـ المحدث المجلسي ، بحار الانوار : 100 / 91 .
16 ـ الحر العاملي ، الوسائل : 11 / 407 .
ابن النهرين- المدير العام
- الجنس :
الابراج :
عدد المساهمات : 1521
تاريخ الميلاد : 28/03/1981
تاريخ التسجيل : 25/11/2010
العمر : 43
رد: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الاميرة لارا- مشرفة على منتدى الاناقة والجمال
- الجنس :
الابراج :
عدد المساهمات : 765
تاريخ الميلاد : 31/05/1982
تاريخ التسجيل : 03/12/2010
العمر : 42
رد: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
العيون النرجسية كتب:[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
تحياتي لكي من الصميم نورتي بردك
ابن النهرين- المدير العام
- الجنس :
الابراج :
عدد المساهمات : 1521
تاريخ الميلاد : 28/03/1981
تاريخ التسجيل : 25/11/2010
العمر : 43
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى