تابع لموضوع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تابع لموضوع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
خصال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
1 ـ العلم والمعرفة
مالم يكن الانسان عارفاً بما يأمر به ، وبما ينهى عنه وعارفاً بالاساليب الحكيمة للأمر والنهي لا يصلح لأداء هذه المهمة العظيمة ، في حديث لرسول ( ص ) : ( لا تأمرن بالمعروف ولاتنه عن المنكر حتى تكون عالماً وتعلم ما تأمر به ) (17) يقول الإمام الخميني في ذلك ( ان يعرف الآمر والناهي ان ما تركه المكلف ، او ارتكبة معروف او منكر ، فلا يجب على الجاهل بالمعروف والمنكر والعلم شرط الوجوب كألاستطاعة في الحج ) (18) .
2 ـ الحكمة
ونقصد بها ان يكون الآمر الناهي مجيداً لأساليب الأمر واساليب النهي بحيث يضع الامور مواضعها فيتبع الاسلوب المناسب لكل شخص وتجيد اسلوب الخطاب ، فيناط بالقلوب ، ليحرك العقول ، ومثاله كمثل الطبيب الذي يعطي العلاج المناسب للمريض فأن الطبيب لو اعطى دواءاً لمريض لا يلائم مرضه فأنه سيزيده ألماً ومرضاً لهذا جاء حديث روح الله المسيح ( عليه السلام ) ( وليكن احدكم بمنزلة الطبيب المداوي ان رأى موضعاً لدوائه والا امسك )(19) .
3 ـ الالتزام
وتقصد بذلك أي يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ملتزماً بما يأمر به تاركاً لما ينهى عنه ، ان يطابق قوله فعله ، لأن من المستحيل ان يستجيب الناس لمن يخالف فعله قوله ، يقول امير المؤمنين علي ( ع ) : ( ايها الناس اني والله ما احثكم على طاعة الا واسبقكم اليها ، ولا انهاكم عن معصيتة ، الا واتناهى قبلكم عنها ) (20) وهذا ما اراده ائمة اهل البيت ( ع ) واكدو عليه من خلال وصاياهم لشيعتهم فعن ابن يعفور قال : قال ابا عبد الله ( ع ) : ( كونوا دعاة للناس بغير السنتكم ، يروا منكم الورع ، والاجتهاد ، والصلاة ، والخير ، فأن ذلك داعية ) (21) .
العوامل المؤثرة في تشكيل الهيئة العامة لبناء النهضة الحسينية المقدسة
هناك ثلاثة عناصر أساسية ، تشكل الهيئة العامة لبناء النهضة الحسينية المقدسة ، أي انه يمكن القول ان عوامل ثلاثة بشكل عام اثرت وطبعت الهيكل العام لتلك الواقعة الكبرى .
اولاً
طلب يزيد بن معاوية ، بعد موت ابيه فوراً ، من عماله فرض البيعة الالزامية على الحسين بن علي ( ع ) وأمتناع الإمام في المقابل عن تلبية مثل هذا الطلب
ثانيـاً
العامل الثاني المؤثر في النهضة ، والذي ينبغي وضعه في الدرجة الثانية من الاهمية ، هو : دعوة اهل الكوفة للإمام ، للقدوم اليهم ولكن حتى بعد ان يصبح في موقع المطالب بتقديم البيعة ليزيد ، وامتناعه عن الرضوخ ، الامر الذي يؤدي به كما هو معروف الى الهجرة الى مكة والاقامة فيها حوالي الشهرين ، ومن ثم وصول اخبار تحركاته هذه الى اهل الكوفة .
ثالثـاً
وهو العامل الثالث الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو موضوع بحثنا وعلاقته بالنهضة الحسينية المقدسة وهو العامل يذكره الإمام بنفسه مكرراً وبصراحة تامة دون ان يأتي الى ذكر مسألة البيعة ولا على دعوة اهل الكوفة وذلك بمثابة مبدأ مستقل وعامل اساسي يمكن الاستناد عليه عامل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي يستند عليه الإمام الحسين ( ع ) بصراحه قولاً وعملاً ، فتراه عليه السلام يبنى اساس نهضته وقيامه على احاديث النبي ( ص ) ، والاهداف المعلنه لنهضته والتي يذكر بها مراراً بالنص مسألة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ودون ان يأتي على ذكر البيعة او دعوة اهل الكوفه وكتابتهم الكتب له ان هذا العامل في الواقع يمنح النهضة قيمة اعلى بكثير مما يمنحه اياه العاملان الآخران فأستناداً الى هذا العامل استطاعت هذه النهضة ان تكون جديدة بالخلود ، والحياة ، وان تكون الثورة المعلمة.
بالطبع فإن العوامل كلما كانت تحمل في طباع الدروس والعبر ، لكن هذا العامل كان له الاثر التعليمي الاكبر ، لأنه لم يكن يستند الى الدعوة ، او الكتب والرسائل ، ولا الى طلب البيعة ، أي انه حتى وان لم يكتب الى الإمام فإن الحسين بن علي ( ع ) كان سيقوم اسناداً الى قانون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وانه لو لم تطلب منه البيعة ، فلم يكن بقادر على السكوت ، فالامر مختلف ، ولا يمكن تحمل السكوت عنه .
فعلى اساس العامل الاول ، فأنه نظراً لدعوة اهل الكوفة ، وارضية الانتصار الذي تكونت نتيجته ذلك بنسبة 50% او اقل ، هذا العامل هو العامل الوحيد الذي كان سبباً في انطلاقة النهضة الحسينية وتبلورها ، فأن ذلك يعني انه في حال عدم حصول مثل هذه الدعوة فأن الحسين ( ع ) لم يكن في وارد التحرك .
واما على أساس العامل الثاني ، فأنه نظراً الى ان السلطة طالبت الإمام بالبيعة فواجهها الإمام برفض البيعة والتحرك ، أي انه لو كان سبب التحرك هذا وحده ، فأنه يمكن القول بأن عدم مطالبة حكومة ذلك العصر بالبيعة من الحسين ( ع ) ، فأن ذلك كان يعني بأن الإمام لم يكن وارد الاصطدام بتلك الحكومة ، وبالتالي فأن النظر الى حركة الإمام من زاوية هذا العامل وحده ، كان يكفي عدم مطالبة الإمام بالبيعة ، حتى ينبغي التحرك الحسيني ، ويهدأ بال الحسين ( ع ) ولا يحصل كل ما حصل في التاريخ بتاتاً في مقابل ذلك فأن الحسين ( ع ) من زاوية العامل الثالث ، رجل متمرد ، وناقد رجل معارضة ، بل رجل ثورة وقيام ، وهو رجل إيجابي فاعل في الاحداث ، وهل هناك حاجة الى سبب آخر ، بعد هذا السبب ، فالفساد قد عم في البلاد ، وحلال الله صار حراماً ، وحرامه حلالاً ، وبيت مال المسلمين صار بأيد غير امينة والثروات والاموال تصرف في غير رضا الله وسبيله وها هو الرسول الاكرم محمد ( ص ) يقول : ( من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً حُرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، من منابذاً لسنة رسول الله ( ص ) ، يعمل في عباد الله بألاثم والعدوان ، فلم يغير عليه بفعل ، ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله ) (22) .
وهذا الحديث النبوي ليس الوحيد في هذا المجال فهناك احاديث كثيرة يمكنه الاستناد اليها في هذا المجال وعليه فالحسين هنا يستند الى جده النبي في تحركه ضد يزيد ، فقد جاء في الحديث الشريف ، عن الإمام الرضا ( ع ) ، عن جده النبي الاكرم ( ص ) انه قال : ( اذا تركت الناس الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فليأذنوا بوقاع من الله ) (23) ، واي عذاب ينتظر مثل هؤلاء الناس الذين يتركون هذا الواجب الالهي بجهل سيأتيهم حجر من السماء لا انه العذاب الالهي الذي يشرحه الحق تعالى في الاية الكريمة التالية :
( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ) (24) وهناك حديث اخر للرسول الاكرم ( ص ) ينقله علماء الشيعة في كتبهم المعتبره ، مثل ( اصول الكافي ) كما يذكره اهل السنه في كتب حديثهم حيث يمكن قراءته في سند الغزالي في ( احياء العلوم ) يقول رسول الله ( ص ) ( لتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، او يسلطن الله عليكم شراركم فيدعون خياركم فلا يستجاب لهم ) (25) .
التفسير المعروف المتداول للحديث السالف الذكر يفيد بأنه وبعد تسلط اشراركم على مقاليد الامور في المجتمع ، فأن خياركم ، ومهما تضرعوا الى الله ، ودعوه لأنزال الرحمة على العباد ، فأن دعائهم ذلك لن يستجاب لهم أي ان المجتمع الذي يترك وظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فأن الله سبحانه وتعالى يسلب عنه حتماً ، ومعنى ذلك انهم مهما دعوا الله ليستجب لهم دعائهم ، فأنه لن يفعل ذلك بسبب ذلك الذنب الذي اقترفوه ، بترك شرارهم يتسلطون عليهم فغياب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من بين صفوفكم امر ملازم لضعفكم واخطائكم وذلكم ، ومن ثم فأن العدو سوف لن يحسب لكم أي حساب وسيعاملكم معاملة الرقيق والعبيد ولن يلبي لكم أي مطلب مهما التمستموه وهذا تفسير لطيف ، وهو ينسجم ويتناسق مع المبادئ المؤكدة في الاسلام وابو عبدالله الحسين ( ع ) وانما يستند الى مثل هذه الاصول والمبادئ ، عندما يبين للأمة مبادئ تحركه ويشرحها ، ولذا نرى ان مضمون خطاباته يصرح بأنه عليه السلام كان سيتحرك ضد السلطان الغاشم ، حتى ولو لم يدعه اهل الكوفة اليهم ، او لم تطالبه السلطات بمبايعة يزيد ، لأن مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي يمنع سكوته ، وقبوله ، بالظلم والفساد ، ثم اضافة الى ذلك ، فيها هو القرآن الكريم نفسه يقول بوضوح حول موضوعه حرية الانسان ، والمسؤولية ، والالتزام الشخصي والمطلوب منه ، وذلك كما ورد في قوله تعالى :
( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (26) او ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )(27) او قوله تعالى : ( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا )(28) .
قيمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في نظر علماء الاسلام
ان عامل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قد رفع من قيمة النهضة الحسينية واهميتها ، فأنها بالمقابل قد رفعت من قيمة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
وكما ان تأثير الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، قد مثل في رفع مستوى النهضة الحسينية الى اعلى المستويات الممكنه ، فأن هذه النهضة المقدسة بدورها ايضاً قد ساهمت في رفع الاصل الاسلامي الى اعلى المستويات ، فكيف حصل هذا ؟ وهل يمكن للحسين بن علي ( ع ) ان يرفع وان يخفض من قيمة اصل من الاصول الاسلامية ؟ كلا ، فليس هذا هو المقصود في حديثنا ، كأن نقول مثلاً ان هناك قيمة معينة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الواقع ، وفي نفس الامر ، كما يقول الفقهاء او في متن الاسلام ، ثم جاء الحسين بن علي ( ع ) وغير ، او رفع ، من هذه القيمة الواقعية والموضوعة في متن الاسلام " فهذا عمل ليس بوسع الحسين بن علي ( ع ) ان يفعله ، ولا حتى بوسع النبي محمد ( ص ) ان يقوم به ، انه من صلاحيات الباري عز وجل لوحده ، لا شريك له " .
ان الله الذي بعث الى عباده ، وفرض عليهم هذه الاصول والتعليمات ، هو الذي عين وقدر لكل اصل من تلك الاصول ، مرتبته ، ودرجته ، وقيمته المحددة ولا يمكن لأحد كائناً من كان حتى النبي ان يتصرف في مثل هذه الشؤون ، او يؤثر في متن الواقع الاسلامي لها ، وما اقصده هو ان النهضة الحسينية ، انما رفعت من امكانيات الاستنباط ، والاجتهاد ، لعلماء الاسلام والمسلمين ، بشكل عام ، في دائرة اصل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هنا تعبير متداول بين طلاب العلوم الدينية ، يتحدث عن مقام الثبوت ومقام الاثبات ، ومقام الثبوت يعني المقام الواقع ، وكل شيء في مقام الواقع او بذاته ، له حد معين ، ودرجة معروفة ، او بتعبير الفلاسفة الجدد مقام الشيء بذاته مقابل مقامه بالنسبة لنا ، ومقام الثبوت هو مقام الشي بذاته ، وذلك مقابل مقام الاثبات ، أي ما يعني بالنسبة لنا من مقام وموقع .
وعليه ، فأننا عندما نقول بأن الحسين بن علي ( ع ) قد رفع من قيمة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فأن قصدي هو القول بأنه عليه السلام ، قد رفع هذه القيمة في عالم الاسلام ، وليس في الاسلام ، فمن ناحية الدين الاسلامي ، أي في مقام الثبوت ، ومقام الشيء نفسه ، لا يمكن للحسين بن علي ( ع ) ، او النبي ( ص ) او علي بن ابي طالب ( ع ) ، ان يرفعوا ، او يخفضوا من قيمة اصل الاصول ، والمبادئ العامة للدين ، ان الله وحده هو الذي حدد قيمة خاصة فعينه لكل اصل من اصول الاسلام ، ان بعض علماء الاسلام ، ومع شديد الاسف ، بعض علماء كبار الشيعة ايضاً والذين لم ننتظر منهم مثل هذا الموقف يقولون :
بأن حدود الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تقف عند نقطة عدم حصول الضرر بالمطلق ، وليس عدم حصول المفسدة ، نعم في حدود عدم تعرض مالك ، وحياتك ، وكرامتك للضرر ، أي انك اذا ما رأيت ان الضرر سيلحق بواحده من هذه الجهات ، فما عليك الا ان تتخلى عن هذا الواجب " انه اصغر من ان يقارن بالنفس ، او المال ، او الكرامة انهم يخفضون من قيمة فعل الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر الى هذا الحد ، لكن هناك من يرى المسأله بشكل مختلف ، ويقول بأن قيمة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ارفع من ذلك ، ولكن بالطبع فأن المسأله نسبية ، وتختلف من مسألة الى اخرى ، فأحياناً يكون الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، يتعلق بموضوع تافه لا قيمة له ، كأن يقوم احدهم برمي الاوساخ في زقاق المحلة ، ولا يحق له ان يقوم بهذا العمل القبيح ، وينبغي عليك هنا ان تنهى عن المنكر .
كما عليك هداية هذا الرجل وارشاده ، وتوجيهه بحيث لا يرمي الاوساخ في الزقاق ، ولكن في احيان اخرى قد يكون موضوع الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، موضوعاً وضع له الاسلام اهمية وقيمته ابلغ وارفع من مال الانسان وثروته ، وكرامته فالمسألة تدور حول تعرض القرآن للخطر ، وان كل المؤثرات ، والدسائس تدور حول محاربة القرآن ، والحالة العامة توحي بالخطر الداهم على القرآن ، ومبادئ القرآن ، ان الخطر الذي يوشك ان يقضي ، على العدالة ، وهي الهدف الذي يسعى الى تحقيقه الانبياء كافة في المجتمع البشري كما ورد صريحاً في القرأن الكريم قال تعالى :
( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) (29) او ان تكون القضية المعرضة للخطر هي قضية الوحدة الاسلامية ، وكلنا يعرف مدى الحساسية الخاصة ، والعناية الفائقة ، التي يوليها الاسلام ، لمثل هذه القضية الكبرى ، قضية وحدة المسلمين كما جاء في قوله تعالى ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ )(30) .
وبناءاً عليه نقول : ان الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، او يمكنه ان يعيق تأدية هذا الواجب :
ان هذا المبدأ يدور في الواقع حول نوع موضوع الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، وهنا بالذات يتبين لنا الى أي مدى رفع الحسين بن علي ( ع ) قيمة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فكما ان اصل الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، رفع قيمة النهضة الحسينية ، كما بينا انفاً ، فأن النهضة الحسينية بدورها قد رفعت هذا الاصل والواجب الالهي .
ذلك ان الحسين بن علي ( ع ) قد بين للعالم اجمع ان مسألة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، قد تصل الى درجة يتطلب فيها من الانسان ان يضحي بنفسه وماله ، وكل ما يملك ، في سبيل الله ، ويتحمل في سبيل ذلك كل انواع اللوم والانتقاد ، كما فعل الحسين ( ع ) نفسه فالنهضة الحسينية لم تحظ بتأييد احد من الناس ، نعم بالمستوى الذي كانوا يفكرون به ، وقد كانوا على صواب في حدود تصوراتهم للموضوع ، لكن الحسين بن علي ( ع ) كان يرى ما وراء حدود رؤياهم ، وانهم كانوا يتصورون جميعاً ان الامر منحصر بحدود الوصول الى الزعامة ، وحسم امر السلطة ، ولذا فأنهم كانوا يرون العاقبة السيئة المتوقعة ، وكانت توقعاتهم دقيقة وصحيحة .
ان ابا عبد الله الحسين ( ع ) قد اثبت في هذه النهضة ، انه ومن اجل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، نعم من اجل هذا الاصل الاسلامي ، يمكن للمرء ان يضحي بحياته ، وماله وثروته ويتحمل كل انواع اللوم والانتقاد .
فهل هناك احد في الدنيا منح قيمة لأصل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بمقدار ما اعطاه الحسين بن علي ( ع ) ؟ ان معنى النهضة الحسينية يفيد بأن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالغ القيمة الى الحد الذي يمكن للمرء ان يضحي في سبيله بكل شيء انه ومع حصول النهضة الحسينية ، لم تعد هناك مجال للحديث عن وجود حدود لفعل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ان الحسين بن علي ( ع ) قد استمسك بهذا الاصل ، واثبت لنا جميعاً بأنه قد قام ، وانتفض دفاعاً عن هذا الاصل المقدس ، او ان احد العوامل التي دفعته للقيام احد العوامل على الاقل كان هو هذا الاصل .
لقد سبق ( ع ) ان وضح وبين في زمن معاوية بعض العلائم والقرائن ، التي كانت تفيد بأنه كان يمهد لقيام الثورة وهذا ما جاء بصراحة في وصيته عليه السلام لمحمد بن الحنفية ، في اليوم الاول لخروجة من مكه ، عندما قال : ( ما خرجت اشراً ، ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولا ظالماً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي ، اريد ان امر بالمعروف ، وانهى عن المنكر )(31) ان ابا عبد الله الحسين ( ع ) ظل مستمسكاً بهذا الاصل ، في مواضع متعددة وهو في طريقه الى الكوفة ، من دون ان يتطرق الى ذكر البيعة ، ويذكر دعوة اهل الكوفة ، والعجب في الامر انه عليه السلام ، كان كلما جاءته اخباراً موحشة ، ومتشائمة من الكوفة ، كلما كانت خطبه عليه السلام تأخذ طابعاً حماسياً ، اكثر من الخطب التي سبقتها ، وفي احدى خطبه في منتصف الطريق الى الكوفه ، تراه عليه السلام يقول بصراحة ( اني لا ارى الموت الاسعادة ، والحياة مع الظالمين الا برما )(32) وقد جاء في بعض النسخ تعبير ( شهادة ) بدل ( سعادة ) .
أي ان من قتل في سبيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، انما يقتل شهيداً ، كما ان المعنى الآخر أي ( لا ارى الموت الاسعادة ) في الحقيقة انما يعطي نفس المفهوم الاستشهادي ، والحياة مع الظالمين الا برما ، أي انني لا ارى مجالاً ، او امكانية للعيش مع الظالمين ، والتعايش معهم ، فروحي ليست تلك الروح التي تتعايش مع الظالم .
وان الف مقاتل جاءوا ليأخذوا الإمام ( عليه السلام ) محضوراً الى الكوفة بعد ان اصطدم بجيش الحر ابن يزيد الرياحي ولمثل هذه الظروف القائمة القى الحسين ( عليه السلام ) خطبته المشهورة وهي الخطبة التي يذكر بها الإمام عن جده ( ص ) وهو يأمر بالتمسك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث يقول رسول الله ( ص )
( ايها الناس أمّن رأى سلطان جائراً ، مستحلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مستأثراً لفيء الله ، متعدياً لحدود الله ، فلم يغير عليه بقول ، ولا فعل كان حقاً على الله ان يدخله مدخله ، الا وأن هؤلاء القوم احلوا حرام الله، وحرموا حلاله ، وأستأثروا في الله ) (33) .
وبعد هذه المقدمة المنطقية تراه ( عليه السلام ) يأخذ النتيجة على القول ويقول لأصحابه ، ولجميع من يسمع من جيش الحر : ( وقد علمتم ان هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان ، وتولوا عن طاعة الرحمن ، واظهرو الفساد في الارض ، وعطلوا الحدود ، وأستأثروا بالفيء واحلوا حرام الله وحرموا حلاله . . . ) فهل بعد ذلك من عجب ، ان يخلد ذكر الحسين ( ع ) الى الابد ، بعد ان تكون صفاته وفصائله بمثل هذه الصفات والخصائل ، التي يذكرها التاريخ لنا ، فالحسين ( ع ) هذا ليس انساناً لنفسه ، بل انه ضحى بنفسه للأنسانية ضحى بنفسه من اجل مجتمع البشر كلهم ، وقدم نفسه فداءً لمقدسات البشرية ، وقرباناً على طريق التوحيد ، ومن اجل العدالة والانسانية والذي نرى بأن ابناء الانسانية جميعاً يحبونه ويعشقونه ، من كل ملة وطائفة لقد قتل الحسين بن علي ( ع ) على طريق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي المبدأ الذي لم يكن ، لتلاشى المجتمع الاسلامي ، وتفكك وتفرقت الامة وتقطعت اوصالها وانهار بنيانها وتناثرت قطعاً ، نعم فهذا المبدأ يحمل كل هذه القيمة والاهمية كما ورد في الآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد وهي كثيرة للغاية .
وظلت رسل العدو في ذهاب واياب ، من الكوفه واليها والاحداث تتوالى على معسكر العدو ومخيمه الفاً وثلاثة آلاف وخمسة آلالف ، ( حتى كملت ثلاثين ) وذلك في اليوم السادس من محرم ، كما جاء في الروايات . . .
وعندما جائت ساعة المواجهة ، وقرر ابن زياد أن يكون قرار الحرب ، وان تكون امارة الجند والعساكر ، جميعاً .
يقول الإمام الصادق ( ع ) : ( ان تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين )(34) نعم فهو يوم تدفقت منه الامدادت على جيش عمر بن سعد ، بينما لم يصل فيه شيء لأهل بيت النبي ، بل سدت بوجوههم كل الطرق ، الليلة هي ليلة عاشوراء ، ليلة اذا ما دققنا جيداً بالحالة التي عاشها الحسين واصحاب الحسين ، من شهداء كربلاء ، فأننا سنعيش مزيجاً من شعورين مختلفين ، فمرة ستلتهب مشاعرنا حماساً عندما نتذكر تلك الروح الشجاعة ، والمعنويات العالية التي كانت تطبع سلوكهم ، وتظهر عليهم جلية ، في تلك الليلة ، ولكن في اخرى فأن صعوبة الوضع ، وقسوة الظروف التي حكمتهم ، ستجعلنا نحزن ، ونتأثر لحالهم تأثراً شديداً .
يقول الراوي ان ابا عبد الله الحسين ( ع ) قد مضى تلك الليلة بأشراق ونورانية وطمأنينة ، ومعنويات رفيعة ، واحاسيس غير عادية تماماً وصدق الذين اطلقوا على تلك الليلة تسمية ليلة معراج الحسين وفي تلك الليلة اورد ابو عبد الله خطبته الغراء المعروفة ، حيث اذن لمن يريد من أصحابة العودة من حيث اتى ، وهو يقول لهم : ( . . . اما بعد فأني لا اعلم اصحاباً اوفى ولا خيراً من اصحابي ولا اهل بيت ابر واوصل من اهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيراً ، الا واني لا اظن يوماً لنا من هؤلاء ، الا واني قد اذنت لكم ، فأنطلقوا جميعاً فأنتم في حل ، ليس عليكم حرج مني ولا ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فأتخذوه جملاً وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ، فأنهم لا يريدون غيري . . . ) لكن اصحاب الحسين ( ع ) كانوا قد مرّوا في الغربال ولم يبق منهم الا الصفوة المختارة ، يقول الراوي : فردوا عليه جميعاً بصوت واحد : ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك ، لا أرانا الله ذلك ابداً . . .
وقد بدأهم القول العباس ( ع ) ومنهم من قال : والله يا بن رسول الله لو وردتنا انباء قتلنا ، ثم نشرت ارواحنا الف مرة وان الله قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من اخوانك وولدك واهل بيتك ، ارواحنا فداك يا ابا عبد الله .
ونحن نتحدث عن اهل بيت رسول الله ( ص ) لابد لنا ان نذكر في هذه الليلة ، ذلك الشاب اليتيم ، القاسم ابن الحسن ( ع ) ، ونتوسل الخير من ذكره في ليلة عاشوراء ، اقول وبعد ان رأى ابو عبد الله الحسين ( ع ) ذلك الوفاء ، والتصميم على الفداء لدى اصحابه واهل بيته ، غير مجرى الحديث وقام يكشف وجه اخر من الحقيقة لهم بقولة .
اذن لا بد من ابلاغكم بهذه الحقيقة ، وهي انه سوف لن يخرج احدً منا غداً سالماً من هذه المعركة ، واننا سنستشهد جميعاً فأستبشر جميع الحاضرين خيراً ، واعتبروا هذه البشارة نعمة الهية خصهم الله بها دون غيرهم .
فعندما خرج القاسم يريد المبارزة ، تراه يستأذن الحسين ، ويتوسل اليه ولا يريد ابا عبد الله ان يأذن له في البداية ولكنه بعد ان يأذن له ، يخرجان متعانقين كما يقول الراوي : ( وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما ) ولكن ها هي اللحظات الاخيرة من عمر القاسم ، وهو مرخي يديه ، وقد ضمه الحسين الى صدره وهو مسبل بالجراح وصعدة روحه الى السماء ( عليه السلام ) ، دون ان يتمكن من معانقة عمه مرة اخرى ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون . . .
الخلاصة
رأينا ان الحسين ( عليه السلام ) بعد ان نصح ووعظ وارشد وذكر بالمسؤولية الشرعية امام الله تعالى ، وكشف الحقائق ورغب ورحب . . . ولما لم يجد لذلك اثر في نفوس القوم ، رأى ان آخر الدواء الكي وتقدم نحو القوم مصلطاً سيفه آيساً من الحياة ، ودعا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من برز اليه حتى قتل جمعاً كثيراً ثم حمل على الميمنة ، وهو يقول :
الموت اولى من ركوب العار والعار اولى من دخول iiالنار
وحمل على الميسرة وهو يقول
انـا الحسين ابن iiعلي آلـيـت الا iiانـثني
احـمي عـيالات ابي امضي على دين النبي
قال عبد الله بن عمار بن يغوث : ما رأيت مكسوراً (35) قط قد قتل ولده واهل بيته وصحبه اربط جأشاً منه ، ولا ارضى جناناً ولا اجرأ مقدماً ، ولقد كانت الرجال تنكث بين يديه اذا شد فيها ولم يثبت له احد .
فصاح عمر بن سعد بالجمع هذا ابن الانزع البطين ، هذا ابن قتال العرب ، احملوا عليه من كل جانب ( فأتته النبال من كل جانب ) وحال الرجال بينه وبين رحله فصاح بهم ( يا شيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احراراً في دنياكم وارجعوا الى احسابكم ان كنتم عرباً كما تزعمون ) .
فناداه شمر : ما تقول يبن فاطمة ، قال : ( أنا الذي اقاتلكم ، والنساء ليس عليهن جناح ، فأمنعوا عناتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حياً ) قال :
اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي قد حان حيني وقد لأحت iiلوائحه
وقصد القوم واشتد القتال وقد اشتد به العطش ، فحمل من نحو الفرات . . . اقحم الفرس بالماء . . . ومريده ليشرب ناداه رجل اتلتذ بالماء ، وقد هتكت حرمك فرمى الماء ، ولم يشرب وقصد الخيمة (36) .
ومـضى لهيفاً لم يجد غير iiالقنا ظـلاً وغـير الـنجيع iiشراباً
ظـمأن ذاب فـؤاده مـن iiغلة لـومست الـصخرالاصم لذابا
لهفي لجسمك في الصعيد مجرداً عـريان تـكسوه الـدماء iiثيابا
ظـمأن ذاب فـؤاده مـن iiغلة لـومست الـصخرالاصم لذابا
لهفي لجسمك في الصعيد مجرداً عـريان تـكسوه الـدماء iiثيابا
المصـادر
1 ـ الملحمة الحسينية الجزء الاول والثاني للمؤلف الاستاذ مرتضى المطهري .
2 ـ الإمام الحسين شمس لن تغيب للمؤلف الشيخ جميل الربيعي .
3 ـ شمس لن تغيب قدم له الشيخ باقر القريشي .
الهوامش
17 ـ المتقي الهندي ، كنز العمال : 3 / 74 .
18 ـ الإمام الخميني ، تحرير الوسيلة : 465 .
19 ـ الإمام الخميني ، تحرير الوسيلة : 481 .
20 ـ نهج البلاغة خطبه رقم : 175 .
21 ـ الشيخ الكليني الاصول من الكافي : 2 / 78 / باب تورع .
22 ـ تاريخ الطبري ج 4 ص 204 .
23 ـ فروع الكافي ج 5 ص 59 .
24 ـ سورة الانعام : الآية 65 .
25 ـ فروع الكافي 4 ص 56 .
26 ـ سورة الدهر : الآية 3 .
27 ـ سورة البلد : الآية 10 .
28 ـ سورة الاسراء : الآية 19 .
29 ـ سورة الحديد : الآية 25
30 ـ سورة آل عمران : الآية 103 .
31 ـ مقتل الخوارزمي ج 1 ص 188 .
32 ـ تحف العقول ص 245 مع اختلاف بسيط بالنص .
33 ـ تاريخ الطبري ج 4 ص 304 .
34 ـ نفس المهموم ص 255 نقلاصاً عن كتاب الكافي ج 4 ص 147 .
35 ـ مكسورأ : هنا المغلوب هو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه ، ومعنى الكلام أي ما رأينا مقهوراً اجرأ اقداماً منه .
36 ـ المقرم : مقتل الحسين عليه السلام 275 .
ابن النهرين- المدير العام
- الجنس :
الابراج :
عدد المساهمات : 1521
تاريخ الميلاد : 28/03/1981
تاريخ التسجيل : 25/11/2010
العمر : 43
رد: تابع لموضوع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الاميرة لارا- مشرفة على منتدى الاناقة والجمال
- الجنس :
الابراج :
عدد المساهمات : 765
تاريخ الميلاد : 31/05/1982
تاريخ التسجيل : 03/12/2010
العمر : 42
رد: تابع لموضوع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
العيون النرجسية كتب:[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
مشكورة ما قصرتي على الرد
ابن النهرين- المدير العام
- الجنس :
الابراج :
عدد المساهمات : 1521
تاريخ الميلاد : 28/03/1981
تاريخ التسجيل : 25/11/2010
العمر : 43
مواضيع مماثلة
» الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
» تابع لفلسفة تعظيم شعائر عاشوراء
» تابع لموضوع الزمن السردي في انشودة المطر
» تابع لموضوع يوم العاشر من محرم من ايام الله تعالى
» تابع لموضوع الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين بن علي عليه السّلام
» تابع لفلسفة تعظيم شعائر عاشوراء
» تابع لموضوع الزمن السردي في انشودة المطر
» تابع لموضوع يوم العاشر من محرم من ايام الله تعالى
» تابع لموضوع الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين بن علي عليه السّلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى